2026.. الانتخابات حسم أولى قبل تحدي تنظيم كأس العالم 2030
في وقت تتصاعد فيه التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويقترب المغرب من استحقاق انتخابي سيعيد تشكيل ملامح المشهد السياسي، يخرج نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بتصريح قوي يضع حزمة من التحديات والإمكانيات على طاولة النقاش الوطني.
يؤكد بنعبد الله أن حزبه “مؤهل لقيادة حكومة تنظيم كأس العالم 2030″، لكنه يشدد على أن هذا ممكن فقط إذا “استطعنا هزم المال والفساد في الانتخابات القادمة”، رسالة واضحة ليست فقط للحكام أو المنافسين، بل لكل المواطنين الذين ينتظرون تحولاً حقيقياً في طريقة تدبير الشأن العام.
هذه الكلمات، التي تتجاوز الخطابات التقليدية، تضع أمامنا سؤالاً أساسياً: هل نحن فعلاً على أبواب مرحلة سياسية جديدة تنهي هيمنة المال على الانتخابات وتفتح المجال لحكومة جديدة ذات رؤية وأخلاق؟
في هذا المقال، نحلل هذه التصريحات في سياق الانتخابات المقبلة 2026، والتحديات الحقيقية التي تنتظر بلادنا في طريق تنظيم حدث عالمي من العيار الثقيل.
استعدادات المونديال: فرصة لحكومة جديدة برؤية متجددة
تصريح بنعبد الله لا يستبطن فقط طموحًا حزبيًّا، بل يستشرف لحظة سياسية مفصلية في تاريخ البلاد، ترتبط بتنظيم المملكة إلى جانب إسبانيا والبرتغال لكأس العالم 2030، بما تحمله من رهانات دبلوماسية، تنموية، ومؤسساتية.
وفي حوار مع تيل كيل، قال بنعبد الله:
“حزبنا مؤهل لقيادة حكومة تنظيم كأس العالم، لكن هذا ممكن فقط إذا استطعنا هزم المال والفساد في الانتخابات القادمة.
اتهام مباشر للأغلبية
في هذا التصريح السياسي الواضح والصريح، لم يتردد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في توجيه انتقادات لاذعة للحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش. فقد أشار إلى وجود اختلالات جوهرية داخل المؤسسات الحكومية، تتمثل في انتشار ظاهرة الفساد وتغلغل المصالح الشخصية، التي تؤثر بشكل سلبي على جودة الأداء الحكومي وتضعف الثقة في المؤسسات.
وذكر في الحوار ذاته:
“الفساد والمال السياسي يعرقلان الديمقراطية ويُضعفان الثقة في المؤسسات، ونحن ملتزمون بمواجهتهما بكل قوة وشفافية.”
ويأتي هذا الخطاب في سياق حراك سياسي مستمر، حيث سبق لنبيل بنعبد الله أن أطلق نداءات متكررة خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2021، واصفًا ما شهدته الحملة الانتخابية بـ”تسونامي المال”، وهو تعبير استعاري يشير إلى الاستخدام المفرط وغير الشفاف للموارد المالية في السياسة، والذي يقوّض مبدأ المنافسة الشريفة ويُضعف أسس الديمقراطية.
يُعتبر هذا الخطاب استراتيجية واضحة من الحزب، تهدف إلى تحسيس الرأي العام بمدى تأثير المال والفساد على العملية الانتخابية، وتدعو إلى ضرورة استعادة الثقة في النظام السياسي عبر بناء حكومة تتميز بالنزاهة والمصداقية، وتلتزم بمحاربة كل أشكال الفساد والمحسوبية.
كما يعكس هذا التوجه رغبة في استقطاب الناخبين الباحثين عن التغيير الحقيقي، ويؤسس لخطاب سياسي جديد يركز على الأخلاق السياسية والشفافية كمعايير أساسية للشرعية والنجاح.
احتياطي الأمس… مرشح اليوم لقيادة الحكومة
لطالما اعتُبر حزب التقدم والاشتراكية واحدًا من الأعمدة الأساسية في المشهد السياسي الوطني، لكنه بقي لعقود جزءًا من ما يُسمى بـ”الاحتياطي الاستراتيجي” للحكومات، أي قوة سياسية ديمقراطية يمكن الاعتماد عليها لدعم استقرار الحكومات، دون أن تتبوأ الصدارة في غالب الأحيان.
هذا الدور، رغم أهميته، جعله يظهر في أحيان كثيرة كشريك تكميلي أو داعم أكثر منه فاعلًا قياديًا قادرًا على فرض رؤية مستقلة أو قيادة مشروع حكومي شامل.
لكن مع مرور الوقت، وتغير المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بدأت معالم طموح الحزب تتبدل. قيادة الحزب الحالية بقيادة نبيل بنعبد الله، تسعى بوضوح إلى رفع سقف التوقعات والمطالبة بمكانة أكثر تأثيرًا ووضوحًا. لم تعد تكتفي بالمشاركة داخل التحالفات السياسية، بل ترفع صوتها لتعلن عن أحقية حزب التقدم والاشتراكية في تولي زمام الأمور.
وفي تصريح واضح قال:
“المغاربة ينتظرون حكومة واضحة الرؤية، لا تخضع للمصالح الضيقة، وقادرة على الاستجابة لتطلعاتهم المشروعة.”
هذه الخطوة تعكس فهمًا عميقًا للتحولات التي يعرفها المشهد السياسي، حيث أصبحت الحاجة ملحة إلى بدائل سياسية قادرة على مواجهة تحديات الفساد والمال السياسي، وإعادة الثقة إلى المؤسسات. كما تعبر عن نضوج سياسي لحزب اختبر عبر السنين، معارك داخل الحكومة وخارجها، اكتسب خلالها خبرات سياسية وسيادية متراكمة.
التحدي الكبير الذي يواجه الحزب هو كيف يتحول من موقع “احتياطي” إلى قيادة فعلية تمتلك القدرة على الحسم، وتأطير السياسات الكبرى التي ستحدد مستقبل البلاد، خصوصًا في مرحلة الاستعدادات الكبرى لتنظيم كأس العالم 2030.
وهذا يتطلب منه بناء تحالفات استراتيجية، وتعبئة قواعده الشعبية، وصياغة خطاب سياسي قوي ومتماسك يلقى صدى لدى الناخبين، خاصة الفئات الشابة والطامحة إلى التغيير، وبالتالي، فإعلان نبيل بنعبد الله أن حزبه “مؤهل لقيادة حكومة المونديال” ليس مجرد شعار انتخابي، بل هو إعلان نية سياسي ورسالة واضحة إلى جميع الفاعلين السياسيين مفادها أن حزب التقدم والاشتراكية لا يريد أن يبقى مجرد بديل أو احتياطي، بل يريد أن يكون في الصدارة، شريكًا في صناعة القرار السياسي الوطني.
في الأفق: انتخابات 2026
تأتي تصريحات نبيل بنعبد الله في سياق سياسي متسارع يتجه نحو استحقاقات انتخابية مهمة عام 2026، والتي ستشكل محطة مفصلية في إعادة تشكيل الخارطة السياسية للبلاد، وبداية السباق الحقيقي نحو الحكومة التي ستدبّر مرحلة الاستعداد لتنظيم كأس العالم 2030.
الانتخابات المقبلة لا تُعد مجرد إجراء ديمقراطي روتيني، بل تكتسي أهمية استثنائية لعدة أسباب، أبرزها الحاجة إلى توطيد شرعية المؤسسات في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة، وانتظارات شعبية متصاعدة تطالب بسياسات عمومية واقعية ومُنصفة.
كما أن التنافس الحاد بين الأحزاب الكبرى، في ظل تحولات داخلية وتحالفات جديدة، يعزز من أهمية هذه المحطة. ومع ذلك، يظل أحد أبرز التحديات المطروحة هو تأثير المال السياسي والفساد على نزاهة الاستحقاق الانتخابي، وهو ما جعل نبيل بنعبد الله يرفع سقف الخطاب مطالبًا بانتخابات شفافة تمثل إرادة الشعب الحقيقية.
في هذا السياق، يراهن حزب التقدم والاشتراكية على تقديم نفسه كبديل جدي يحمل خطابًا أخلاقيًا يؤسس لعهد جديد في تدبير الشأن العام، من خلال:
ــ مواجهة المحسوبية والفساد بكل أشكاله، والعمل على تقوية آليات المحاسبة والشفافية.
ــ تعزيز المشاركة السياسية للمواطنين، خاصة الشباب والنساء، عبر برامج تحفيزية وتوعوية.
ــ الاستثمار في الرهانات التنموية الكبرى، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستعداد لاستضافة وتنظيم فعاليات دولية مثل كأس العالم 2030.
كل هذه العناصر تجعل من انتخابات 2026 اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الأحزاب السياسية، وعلى رأسها حزب التقدم والاشتراكية، على استجماع الثقة الشعبية وبناء تحالفات سياسية قادرة على تدبير المرحلة المقبلة بفعالية ومسؤولية.
الرهان الأخلاقي في زمن التحديات الكبرى
ليس من السهل أن تطرح نفسك كقوة سياسية بديلة في لحظة ما قبل المونديال، حيث ينتظر المواطنون كثيرًا من الفعل وقليلًا من الكلام. لكن حزب التقدم والاشتراكية، كما يعبّر عن ذلك أمينه العام، يبدو أنه يعوّل على “الرهان الأخلاقي” كورقة أساسية في المعركة المقبلة: خطاب نظيف، تعاقد اجتماعي جديد، واستعداد لتحمل مسؤولية حكومية وطنية في زمن دقيق.
هذا الرهان لن يكون كافيًا ما لم يُقابل بوعي جماعي من طرف المواطنين، وبإرادة مؤسساتية تقطع مع “شرعنة المال الانتخابي” و”تشابك المصالح”.
فنجاح ما يسميه نبيل بنعبد الله بـ”حكومة المونديال”، لا يتوقف فقط على من سيقودها، بل على شروط تشكّلها، وأرضية تعاقدها، وضمانات نزاهتها.
2030 ليس موعدًا رياضيًا فقط… بل لحظة صدق سياسي
في ظل الرهانات الكبرى التي تنتظر البلاد، لا يكفي أن نرفع الشعارات، بل لا بد من تقديم الأجوبة السياسية الجريئة والمقنعة. فالتنمية لا تُدار فقط بالأرقام، بل تحتاج إلى مناخ سياسي سليم، وإلى حكومة تنبع شرعيتها من ثقة المواطن لا من سلطة المال.
نبيل بنعبد الله، وهو يعلن استعداد حزبه لتحمل مسؤولية “حكومة المونديال”، لا يراهن فقط على موقع سياسي، بل يُرافع من أجل نموذج جديد في الحكم، تكون فيه الأخلاق السياسية رافعة للثقة، وتكون فيه الكفاءة عنوانًا للمسؤولية، وتكون فيه مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
وإذا كانت الملاعب جاهزة، فإن الرهان الحقيقي هو أن تكون السياسة بدورها جاهزة: شريفة، شفافة، ومستوعبة لحجم اللحظة.
فالمونديال ليس مجرد بطولة، بل اختبار تاريخي لقيمة الدولة ومؤسساتها، واختبار لرؤية السياسيين في قيادة التحول.
وفي هذا الأفق، لا يبدو أن بنعبد الله يُجيد فقط الكلام… بل يبدو أنه يستعد ليكون جزءًا من الجواب.
