ادريس بينهم/كابريس
تشهد مدن مغربية منذ أسابيع احتجاجات شبابية وشعبية متصاعدة تعبيراً عن أوضاع اجتماعية واقتصادية متوترة. وقد وضعت هذه التطورات المؤسسات الدستورية والسياسية أمام اختبار حقيقي للتفاعل مع مطالب الشارع، كلٌّ وفق الصلاحيات التي يحددها دستور 2011.
وفي مقدمة هذه المؤسسات تبرز الحكومة التي لا تنصّب دستورياً إلا بعد حصولها على ثقة مجلس النواب بأغلبية مطلقة وفق ما يقرره الفصل 88. في هذا السياق، اختارت الأغلبية الحكومية الظهور في لقاء جماعي بقمصان بيضاء عوض المعاطف الرسمية، في خطوة رمزية اعتُبرت رسالة انفتاح وتحمل للمسؤولية تجاه الرأي العام.
أما الأحزاب السياسية، فإن الدستور يحدد دورها في تأطير المواطنين وتعزيز مشاركتهم في الحياة العامة بموجب الفصل 7،. وانطلاقاً من هذه الأدوار، سارعت بعض أحزاب المعارضة مثل العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية إلى إصدار بيانات تطالب بالإنصات لصوت الشباب طبقا لاحكام الفصل 60 الذي اعتبرها شريكا أساسيا في وظيفتي التشريع والمراقبة، فيما لجأت شبيبات أحزاب أخرى إلى عقد اجتماعات داخلية لمناقشة كيفية التفاعل مع الأوضاع المستجدة.
وعلى المستوى النقابي، يضع الفصل 8 المنظمات النقابية في صلب الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها. وبناءً على هذا الأساس، عبّرت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن رفضها لما وصفته بالتضييق على الحق في التظاهر، محمّلة الحكومة مسؤولية التدهور الاجتماعي وداعية إلى معالجة الأسباب العميقة للاحتقان.
وعلى المستوى الديني، يخول الفصل 41 للمجلس العلمي الأعلى مهمة الإفتاء وتوجيه الشأن الديني تحت رئاسة الملك بصفته أمير المؤمنين. وفي ضوء هذه الصلاحيات، وجه المجلس خطباء المساجد إلى توحيد خطبة الجمعة المقبلة تحت عنوان “الحرص على تجنب التهلكات”، في رسالة تهدف إلى التهدئة والدعوة إلى ضبط النفس.
أما في الجانب الحقوقي، فقد منح الفصل 161 من الدستور المجلس الوطني لحقوق الإنسان استقلالية كاملة في رصد أوضاع الحقوق والحريات. وبناء على هذا الدور، عقد المجلس اجتماعاً استثنائياً أوصى فيه بضمان الحق في التظاهر السلمي وحماية المحتجين، مع التأكيد على احترام المحاكمة العادلة والتحذير من خطابات الكراهية المنتشرة على المنصات الرقمية.
وفي المؤسسة التشريعية، يؤكد الفصل 70 على أن البرلمان يصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية. وضمن هذا الإطار، ناقشت لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب الوضعية الصحية في ظل الاحتجاجات، بحضور وزير الصحة، في جلسة ليلية مطولة انطلاقا من وظيفتها الرقابية.
أما المؤسسة الملكية، فهي على موعد مع افتتاح الدورة التشريعية في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر وفق ما ينص عليه الفصل 65. وتترقب الأوساط السياسية والاجتماعية الخطاب الملكي المنتظر يوم 10 أكتوبر، باعتباره محطة مفصلية قد تحدد ملامح التعاطي الرسمي مع موجة الاحتجاجات وتفتح آفاقاً جديدة للحوار والإصلاح.
وتجمع هذه التفاعلات على أن الاحتجاجات الشبابية الراهنة تشكل اختباراً حقيقياً لقدرة المؤسسات الدستورية والسياسية على القيام بأدوارها، في توازن دقيق بين حفظ الاستقرار وضمان الحقوق والحريات. وهو ما يجعل من الانفتاح على الشباب والاستماع إلى مطالبهم ضرورة لتعزيز الثقة وصيانة تماسك الدولة.