تحليل استراتيجي – المصطفى العياش، سكرتير تحرير جريدة “كابريس”
في مساء الجمعة 27 يونيو 2025، اهتزت مدينة السمارة على وقع دويّ انفجارات متتالية في محيط القطب الحضري “الربيب” وحي “لازاب”، في نطاق لا يبعد كثيرًا عن مقر بعثة الأمم المتحدة “المينورسو”. هذا التطور المفاجئ، الذي لم يسفر عن إصابات في الأرواح، جاء ليوقظ من جديد تحديات أمنية حساسة في منطقة تُعدّ رمزًا للاستقرار والسيادة داخل التراب الوطني.
ورغم شحّ المعطيات الرسمية، إلا أن طابع العملية، وتوقيتها، ومكانها، تجعل منها حدثًا غير معزول، يستدعي تحليلًا يتجاوز الخبر العابر إلى قراءة استراتيجية عميقة.
المملكة المغربية: من التماسك الداخلي إلى محور الأمن الإقليمي
لا يُخفى أن المملكة المغربية أصبحت في السنوات الأخيرة حجر زاوية في منظومة الأمن الإقليمي، بفضل رؤيتها الملكية الاستباقية، وتكامل أجهزتها الأمنية والعسكرية، وشراكاتها الاستراتيجية عبر البحرين الأبيض والمتوسط. هذه المكانة، وإن عززت دور المغرب إقليميًا، جعلته في الوقت ذاته عرضة للاستهداف من قبل جهات تسعى إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في شمال إفريقيا والساحل.
وإذا كانت المملكة المغربية قد اختارت طريق البناء والتنمية والدبلوماسية الذكية، فإن خصومها يلجأون إلى أساليب التشويش، من بينها محاولات ضرب الاستقرار في مناطق آمنة من خلال عمليات ذات طابع دعائي موجه.
بوليساريو.. من العزلة السياسية إلى قلق الفوضى
في هذا السياق، تبرز بوليساريو كطرف لم يعد يمتلك من أدوات الفعل إلا ما تبقّى من خطاب عدمي، وأفعال تشويش غير متوازنة. فبعد العزلة الدبلوماسية المتزايدة، وتوالي الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، باتت هذه الجهة تلجأ إلى افتعال وقائع ميدانية لا تغير من الواقع شيئًا، لكنها تهدف إلى تسجيل الحضور الرمزي أمام داعميها التقليديين.
الضرب في محيط مقرات بعثة “المينورسو” يعكس رغبة في خلق استفزاز دولي، أكثر من تحقيق أي مكسب ميداني، وهو تكتيك يُظهر حجم التراجع والارتباك أكثر مما يعبر عن قوة أو مشروع سياسي.
الرد المغربي: صرامة الدولة ويقظة الميدان
ما يبعث على الطمأنينة أن المنظومة الأمنية المغربية أظهرت مجددًا قدرتها العالية على السيطرة الفورية، عبر تدخل منسق بين القوات المسلحة، الأجهزة الأمنية، والسلطات الترابية. لم يُسجل أي انفلات، وتم تطويق آثار الانفجارات بسرعة، مما قطع الطريق أمام أي محاولة لتضخيم الحدث أو استثماره إعلاميًا من قبل خصوم الوحدة الترابية.
هذا الحزم في التدبير يعكس عقلية الدولة المغربية: لا تساهل مع أي تهديد، ولا انفعال أمام أي استفزاز. بل استجابة محسوبة، تراعي القانون، وتحمي المؤسسات، وتُطمئن الساكنة.
رسائل وراء الدخان: من يستهدف الجنوب؟
لا يمكن فصل هذه الانفجارات عن التحولات الجارية في الإقليم، خاصة في ظل الحرب غير المباشرة بين إيران وإسرائيل، والتي فرضت على عدد من الدول، ومنها المملكة المغربية، إعادة ترتيب أولوياتها الأمنية، خاصة أن المغرب يوجد ضمن حلف استراتيجي يدافع عن الاستقرار في المنطقة.
ويبدو أن بعض الأطراف الإقليمية، المنزعجة من هذا التموضع المغربي المتوازن، تسعى إلى نقل توترها نحو الجنوب المغربي، عبر أدوات بالوكالة، أو عبر تغذية الفوضى الصغرى في الهامش.
المجتمع الدولي مطالب بتحمّل مسؤوليته
حين تقع أعمال مشبوهة قرب بعثة دولية، فإن الأمر يتجاوز السيادة الوطنية إلى سؤال حول دور المينورسو وحدود حمايتها، وجدوى وجودها الرمزي. لذلك، فإن المجتمع الدولي مدعوّ إلى عدم الاكتفاء بدور المتفرج، بل إلى التحرك لحماية مهامه من التوظيف السلبي، ووضع حد للتساهل مع الأطراف التي تعبث بأمن المنطقة.

توصيات وطنية لتعزيز الردع والاستباق
1 ــ تعزيز اليقظة التكنولوجية والاستباق الاستخباراتي، خاصة عبر استخدام تقنيات الرصد المتطور والطائرات المسيّرة.
2 ــ توسيع التنسيق بين الأجهزة الأمنية والمواطنين عبر تعزيز قنوات التبليغ والثقة.
3 ــ إنتاج خطاب إعلامي استراتيجي يُطمئن، لكنه لا يُخفي التحديات، ويعزز الانخراط الجماعي في حماية الأمن العام.
4 ــ تقوية الجبهة الدبلوماسية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لربط تهديد استقرار الصحراء بالتهديد الإقليمي العام.
5 ــ الاستمرار في مشاريع التنمية المندمجة كوسيلة لرفع مناعة الساكنة أمام أي استغلال سياسي أو دعائي.
الصحراء رهان الجميع والسيادة لا تقبل التلاعب
انفجارات السمارة، مهما كان مصدرها أو أهدافها، لا تغيّر من الحقيقة الراسخة التي أكدها جلالة الملك محمد السادس بقوة في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 45 للمسيرة الخضراء سنة 2020، حيث قال:
“الصحراء في مغربها، والمغرب في صحرائه”.
ليست هذه مجرد عبارة رمزية، بل كما شدد جلالته، قضية هوية وطنية، وسيادة غير قابلة للمساومة، واستقرار لا يقبل التلاعب.
وفي مواجهة مثل هذه التحديات، تواصل المملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك، وبالتحام مؤسساتها وأجهزتها، عملها الرصين في الدفاع عن وحدتها الترابية، بتبصر استراتيجي، ورد مشروع، ونفس طويل، يجعل من قوة الدولة في الشرعية، ومن صلابة المواطن في الميدان، صمّام أمان لا يُخترق.

المقال من إعداد المصطفى العياش، سكرتير تحرير جريدة “كابريس”، في إطار متابعة تطورات الأوضاع الأمنية بالجنوب المغربي، مع حرص دائم على تعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار.