المصطفى العياش ــ سكرتير جريدة “كابريس” مهتم بالقضايا الوطنية
تشهد مخيمات تندوف في الآونة الأخيرة حالة انفلات أمني خطير، حيث اندلعت مواجهات مسلحة عنيفة بين عصابات مسلحة في مخيم العيون، وهي أحداث غير مسبوقة أظهرت بشكل جلي الفوضى التي يعاني منها سكان المخيمات. خلال هذه المواجهات، استخدمت الأسلحة النارية الخفيفة والثقيلة، مما سبب حالة من الرعب لدى المدنيين الذين اضطروا للاختباء داخل منازلهم لساعات طويلة. ورغم خطورة الوضع، اكتفى الجيش الجزائري، المرابط على أطراف المخيمات، بمراقبة الأحداث دون أي تدخل فعلي لوقفها، ما يثير تساؤلات حول التواطؤ أو الصمت المريب تجاه ما يحدث.
حالة الفوضى في المخيمات
هذه الأحداث الأمنية في المخيمات تؤكد بشكل مباشر تفاقم الأزمة في تندوف وتفضح هشاشة الوضع الأمني هناك. لقد أصبحت المخيمات اليوم بؤرة لصراعات بين الجماعات المسلحة والعصابات التي تتحكم في حياة سكانها، بينما يظهر الجيش الجزائري بشكل متفرج دون أي تدخل حقيقي. هذه الفوضى الأمنية تؤثر بشكل كبير على حياة المدنيين الذين يعيشون في خوف دائم من تصاعد العنف. وتعتبر هذه الفوضى جزءًا من التحديات التي تواجه المجتمع الدولي في البحث عن حل نهائي لهذا النزاع.
المجتمع المدني وحقوق الصحراويين
في ظل هذا الواقع، يصبح من حق المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية أن تطالب بتدخل حقيقي لحماية المغاربة المحتجزين في المخيمات لأكثر من 50 سنة. وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في الضغط على الجزائر لضمان حقوق الإنسان داخل المخيمات، خصوصًا في ظل تنامي النشاطات الإجرامية التي تهدد الأمن العام وتعمق معاناة السكان المدنيين.
كما لا بد من الإشارة إلى أن المغاربة ملكًا وشعبًا وحكومة لا يمكنهم التفريط في حقوق إخوتهم المحتجزين في المخيمات. جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله كان دائمًا يؤكد أن الوطن غفور رحيم، في إشارة إلى أن المصالحة والعودة إلى أرض الوطن تبقى الخيار الأمثل، حيث لا مكان للعداء أو الانقسام، بل هناك دائمًا يد ممدودة للمصالحة. هذه الرؤية، التي أرساها الحسن الثاني رحمه الله، تشكل قاعدةً قوية لموقفنا الوطني الذي يسعى إلى عودة الصحراويين إلى وطنهم الأم.
موقف الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس: تتابع حكيم يعزز الحل السياسي الشامل
إن موقف جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، الذي أكد على أن الوطن غفور رحيم، لا يزال يحظى بسلطة معنوية كبيرة في القضية الصحراوية. هذا الموقف الحكيم استمر بتوجيهات من جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي في 2007 قدم مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي شامل. هذه المبادرة تتيح للصحراويين إدارة شؤونهم المحلية ضمن إطار سيادة المملكة المغربية، ما يضمن لهم الاستقرار والكرامة في ظل ظروف صعبة وطويلة. من خلال هذا الحل، تؤكد المملكة المغربية أن حقوق الصحراويين لا يمكن أن تكون في أي مكان آخر سوى ضمن إطار السيادة المغربية، حيث تضمن لهم جميع حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
في ظل هذا الموقف الوطني، يتم تعزيز فكرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الأمثل الذي لا يقتصر على منح الصحراويين حرية إدارة شؤونهم، بل يعكس التزام المغرب بسيادة وحدوده الترابية. هذه المبادرة تقدم فرصة حقيقية لتحقيق المصالحة والعيش المشترك في إطار العدالة والاحترام المتبادل.
دعم دولي متزايد لمغربية الصحراء: فرنسا والولايات المتحدة في المقدمة
في وقت تتصاعد فيه الضغوط الإقليمية والدولية على قضية الصحراء المغربية، يبرز الدعم الدولي المتزايد لمغربية الصحراء من خلال افتتاح عدد من الدول لقنصليات في مدينتي العيون والداخلة بالصحراء المغربية. ومن أبرز هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، اللتين تؤكدان بشكل قاطع التزامهما بسيادة المغرب على صحرائه.
منذ عام 2019، شهدت المدينتان افتتاح قنصليات من قبل 29 دولة، وهو ما يُعتبر تحولًا نوعيًا في الموقف الدولي. هذا الدعم يكرس موقف المملكة الثابت في التمسك بمبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي شامل يتماشى مع تطلعات الشعب الصحراوي في إطار السيادة المغربية. من بين الدول التي افتتحت قنصليات في العيون، نجد: الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الأردن، إضافة إلى دول إفريقية عديدة مثل الغابون وبوروندي. أما في الداخلة، فقد تواصل هذا التوجه ليشمل دولًا مثل تشاد وجيبوتي وغينيا الاستوائية، وغيرها من الدول الصديقة.
هذه الافتتاحات تُظهر تحوّلاً مهمًا في المواقف الدولية وتوازيه المخاوف من تنامي الفوضى الأمنية في المخيمات. في الوقت الذي تعيش فيه المخيمات انفلاتًا أمنيًا غير مسبوق، يصبح الدعم الدولي للمغربية الصحراء بمثابة دعوة لإيجاد حل دائم يعيد الاستقرار لهذه المنطقة ويضمن أمن سكانها. فالتصاعد في العنف والانفلات الأمني داخل المخيمات يُعدّ دافعًا إضافيًا لزيادة الضغط الدولي على الجزائر للبحث عن حل سياسي دائم، مثل مبادرة الحكم الذاتي التي يقدمها المغرب.
الطريق إلى المصالحة: دبلوماسية حازمة تنبني على الواقع
إن الحلول التي يقدمها المغرب لا تقتصر فقط على الحكم الذاتي، بل تشمل أيضًا التعاون الإقليمي مع الجزائر، من أجل ضمان الاستقرار في المنطقة. في الوقت الذي تعيش فيه مخيمات تندوف انفلاتًا أمنيًا مقلقًا، وما يحمله ذلك من تهديدات للأمن الإقليمي والدولي، تصبح الحاجة إلى حل سياسي شامل أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فالواقع يشير إلى أن الأوضاع في المخيمات تهدد بشكل مباشر استقرار المنطقة، الأمر الذي يستدعي تدخلًا حاسمًا من جميع الأطراف المعنية لإيجاد حل عادل ودائم.
إن مبادرة الحكم الذاتي التي عرضها المغرب هي دعوة صادقة للسلام، تضمن للصحراويين العودة إلى وطنهم الأم، تحت سيادة المملكة المغربية، ومنحهم إدارة محلية على أراضيهم في إطار يضمن التعايش السلمي بين الجميع. هذه المبادرة تعكس حكمة ملكية في البحث عن حلول عقلانية وشاملة، تضمن لكل أبناء الوطن الصحراويين العيش في كرامة.
إن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الذي يسعى المغرب من خلاله إلى تحقيق السلام والاستقرار في الصحراء المغربية. ومع الاعتراف الدولي المتزايد بـ مغربية الصحراء، يبقى الوقت مناسبًا أكثر من أي وقت مضى لتحريك الدبلوماسية المغربية وتعزيز هذه المبادرة على الساحة الدولية. الدور الجزائري يبقى محوريًا، ويجب عليه أن يعي أن مستقبل المنطقة لا يمكن أن يتحقق دون تعاون جاد مع المغرب.
إننا على يقين أن العودة إلى أرض الأجداد، في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يضمن الاستقرار والأمن لكل الصحراويين، ويحقق لهم الكرامة التي يستحقونها.

سكرتير تحرير جريدة “كابريس” ــ كاتب في الشأن السياسي والوطني ــ مساهمة تحليلية في تعزيز النقاش الوطني حول مستقبل الصحراء المغربية في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية