التيار الكهربائي في إسبانيا: انقطاع مريب وموقف مغربي يُعيد الإضاءة

kapressمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
التيار الكهربائي في إسبانيا: انقطاع مريب وموقف مغربي يُعيد الإضاءة

افتتاحية “كابريس” ــ المصطفى العياش

شهدت عدة مناطق في إسبانيا انقطاعاً مفاجئاً للتيار الكهربائي، مما أثار موجة من المخاوف والأسئلة حول ما إذا كان هذا الحادث نتيجة عطل تقني عرضي، أم فعلاً تخريبياً مدبراً من جهات تسعى إلى زعزعة الاستقرار في توقيت بالغ الحساسية. فالحدث، وإن بدا في ظاهره تقنياً، لا يمكن فصله عن السياق العالمي المتوتر الذي تزايدت فيه التهديدات الإلكترونية والهجمات غير التقليدية على البنى التحتية الحيوية للدول.

انقطاع الكهرباء بهذا الشكل المفاجئ وفي نطاق واسع، خاصة في مدن كبرى مثل بلنسية ومدريد وأورينسي، يفتح المجال لتأويلات متعددة، وقد يندرج ضمن نمط جديد من الاستهداف الممنهج للشبكات الحيوية، بأساليب يصعب تتبعها في الزمن الرقمي المعقد. فاليوم، لم تعد الحرب تُخاض فقط بالأسلحة، بل صارت تُخاض كذلك على مستوى الأنظمة المعلوماتية الحساسة.

وسط هذه الأجواء، برز المغرب بسرعة كطرف فاعل في إعادة التوازن، حيث تحرك المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بتنسيق محكم مع نظيره الإسباني، عبر تفعيل الربط الكهربائي الذي يجمع البلدين من خلال مضيق جبل طارق. وقد أسهم هذا الربط، الذي يعود إلى عقود خلت، في استرجاع جزء من الاستقرار الطاقي، من خلال دعم مباشر ومكثف من الجانب المغربي، الذي لم يتردد في تحويل جزء معتبر من إنتاجه الطاقي صوب الجارة الشمالية، رغم كونه من بين البلدان المستوردة للطاقة في ظروف عادية.

هذا الموقف التضامني المغربي، الذي أشادت به السلطات الإسبانية، لم يكن مجرد استجابة تقنية، بل أبان عن عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وعن نضج رؤية مغربية ترى في أمن الطاقة قضية تتجاوز الحدود الجغرافية، وتستدعي حضورا فاعلا ومسؤولاً عند الحاجة. فالمغرب، الذي راكم تجربة معتبرة في مجال الطاقات الحرارية والغازية، وأصبح وجهة إقليمية في مشاريع الطاقة المتجددة، يثبت مجدداً أن رهانه على البنيات التحتية العابرة للحدود كان في محله.

غير أن العودة السريعة للتيار لا تلغي جوهر السؤال: هل ما وقع حادث عرضي أم ناقوس خطر لمرحلة جديدة من الاستهداف؟ إن تكرار مثل هذه الانقطاعات في دول متقدمة يفرض ضرورة التفكير الجماعي في آليات حماية المنظومات الطاقية ضد أي اختراق محتمل، خصوصاً في ظل توسع التهديدات السيبرانية التي لا تميز بين دولة متقدمة وأخرى صاعدة.

وعليه، فإن التعاون المغربي الإسباني، الذي أثبت فعاليته في هذه الأزمة، يمكن أن يشكل نموذجاً لتعاون أوسع يشمل مجالات التأمين الطاقي، والأمن السيبراني، وتبادل الخبرات في إدارة المخاطر. فهذا النوع من الشراكات ليس ترفاً دبلوماسياً، بل أصبح شرطاً أساسياً لضمان الاستقرار، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبنى التحتية التي تمثل العمود الفقري للحياة اليومية للمواطنين.

إن المغرب، من خلال هذا التدخل السريع، لم يُعد فقط إنارة مدن إسبانية، بل أضاء مجدداً فكرة التضامن الإقليمي الذكي، القائم على الثقة، والاستباق، والجاهزية.

افتتاحية “كابريس” ــ المصطفى العياش
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة