بلاغ حزبي يتحول إلى قراءة وطنية
أصدر حزب الديمقراطيين الجدد بياناً تنديدياً يوم 30 غشت 2025، عبّر فيه عن يقظته إزاء الحملات الإعلامية والسيبرانية المغرضة التي تستهدف ثوابت المغرب ورموزه السيادية، محاولةً تفكيك روابط الثقة بين الملك ومختلف المؤسسات الدستورية من جهة، وبين الشعب بكل أطيافه من جهة أخرى.
غير أن البلاغ، على أهميته، لا ينبغي أن يُقرأ فقط كوثيقة حزبية ظرفية، بل كمؤشر على وعي جماعي داخل النخبة السياسية بخطورة المرحلة. فهذه الحملات لم تعد تقتصر على التشويه الإعلامي المباشر، بل أصبحت رهينة بما يمكن تسميته “الهجمات الناعمة”، حيث تُبث الشائعات ويُزرع الشك في النفوس، في محاولة لإضعاف المناعة الداخلية للدولة.
الخطر في الصمت أكثر من المعارضة
لقد نبه البيان إلى حقيقة جوهرية: الخطر لا يكمن في المعارضة السلمية ولا في التعبير المشروع عن الرأي، بل في الصمت السلبي واللامبالاة، ذلك الهدوء الذي قد يسبق العاصفة. وهو تحذير يستحق التوقف عنده، لأن التجارب التاريخية تُثبت أن الأنظمة الملكية لا تسقط فجأة، وإنما تُستهدف تدريجياً عبر بث بذور الفتنة، وتشويه رمزية العلاقة بين المؤسسة الملكية والشعب.
مسؤولية الحكومة في ترك المجال للإشاعة
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال مسؤولية الحكومة التي أبانت في أكثر من محطة عن تقاعسها في التصدي لهذه الحملات أو في تواصلها الفعّال مع الرأي العام. فترك المجال مفتوحاً أمام الإشاعة والفراغ المؤسساتي يمنح خصوم الوطن فرصة لاستغلال الغموض ونشر خطاب الفتنة. إن غياب المبادرة الحكومية في بعض الملفات الحساسة يساهم في تغذية الارتباك ويمنح خصوم المغرب ذخيرة مجانية للنيل من مصداقية مؤسساته.
الملكية المغربية وصلابة الارتباط بالشعب
كما أبرز البلاغ أن الملكية المغربية ليست بعيدة عن نبض مواطنيها، بحكم الحضور الميداني للملك، وخطبه ورسائله المستمرة، بما يجسد نموذجاً فريداً من التواصل المباشر بين القيادة والشعب. وهذه الحقيقة الملموسة، كما يلاحظها المغاربة يومياً، كفيلة بإفشال كل محاولات التشكيك والتشويه.
الإصلاح المستمر كجواب حقيقي على الاستهداف
لكن الرد الحقيقي على هذه الحملات – كما خلص إليه الحزب – لا يتوقف عند التنديد أو إصدار البيانات، بل يتطلب تعزيز الإصلاحات الوطنية، والانفتاح على مختلف التعبيرات المجتمعية، وترسيخ دولة المؤسسات والعدالة الاجتماعية. فالمناعة الوطنية تُبنى بالثقة وباستمرار الإصلاح، لا بمجرد ردود الفعل الظرفية.
إن انتقال خطاب “حزب الديمقراطيين الجدد” من صيغة البلاغ التنديدي إلى دعوة أوسع للإصلاح والانفتاح، يُؤشر على وعي سياسي متنامٍ بأن المعركة ضد الاستهداف الخارجي لا تُكسب فقط في ساحات الإعلام، بل في العمق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمغرب.
نحو يقظة جماعية وربط الثقة بالإصلاح
إن المرحلة التي يعيشها المغرب تقتضي يقظة دائمة، وتحصيناً مستمراً للجبهة الداخلية، وربطاً متجدداً بين الإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية. فكلما تعززت ثقة المواطن بمؤسساته، كلما ازدادت مناعة الوطن في وجه الحملات المغرضة. لكن هذا المسار لن يتحقق إلا إذا تخلت الحكومة عن نهجها الارتجالي، وتملصها من أدوارها الدستورية، وانخرطت بجدية في التواصل والإنصات وتقديم الأجوبة الحقيقية لانتظارات المواطنين.
