في لحظة سياسية دقيقة تتقاطع فيها التحولات الدولية مع رسوخ الموقف المغربي في قضية الصحراء، أعاد تصريح المحلل السياسي وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (الكوركاس)، إبراهيم بلالي السويح، تسليط الضوء على عمق التوجه الدبلوماسي الذي اختطه المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس. فالمتحدث لم يتعامل مع تصريحات وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة باعتبارها موقفا تقنيا أو دبلوماسيا عاديا، بل باعتبارها امتدادا مباشراً للرؤية الملكية الاستباقية، ورمزا لمرحلة جديدة من الوضوح السياسي في هذا الملف.
يؤكد السويح أن جلالة الملك وضع خلال خطابي عيد العرش ملامح دقيقة لرؤية استراتيجية شاملة، لا تتعلق فقط بإدارة ملف الصحراء، بل بترتيب شامل للأدوار الدبلوماسية المغربية في العالم. ويشدد على أن هذه الخطابات حملت رسائل واضحة بأن المغرب لم يعد في موقع رد الفعل، بل في موقع صناعة الفعل الدبلوماسي، مستندا إلى ثقة مؤسساتية وشعبية واسعة في عدالة قضيته الوطنية.
ولم يكن هذا الوضوح بالنسبة للسويح سوى نتيجة طبيعية لسنوات من العمل الميداني والدبلوماسي، الذي أسس لمرحلة جديدة عمادها الشرعية والمشروعية والواقعية السياسية.
وإذا كان المشهد الدولي قد عرف تحولات عديدة، فإن قرار مجلس الأمن 2797 جاء ليكرس تحولا عميقا في طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع النزاع. فالسويح يعتبر أن القرار مثل اعترافا قانونيا وسياسيا غير مسبوق بمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، حيث تم توصيفه — بوضوح — بأنه الحل الواقعي والعملي والدائم.
ويضيف أن القرار أجهز على أطروحات قديمة لم تعد مقبولة في منطق العلاقات الدولية الحديثة، وأنه فتح مرحلة جديدة عنوانها تثبيت الشرعية المغربية وتراجع الأطروحات الانفصالية بشكل واضح وصريح.
في قراءته، يركز السويح على أن الدبلوماسية المغربية لم تعد تكتفي بالدفاع عن الموقف الوطني، بل أصبحت تصنع التحول الدولي عبر علاقات استراتيجية متينة، سواء مع القوى الكبرى أو مع الدول الإفريقية والعربية. ويشير إلى أن المغرب نجح في السنوات الأخيرة في جمع عناصر القوة الناعمة والصلبة في قالب واحد، وهو ما جعل ملف الصحراء ينتقل من منطقة التوتر السياسي إلى منطقة الإجماع الدولي.
ويبرز السويح أن المملكة عملت بذكاء على تحويل الأقاليم الجنوبية إلى نموذج اقتصادي وتنموي متقدّم، جعل من الصعب تجاهل الحقائق على الأرض، خاصة مع الدينامية الاستثمارية، والبنية التحتية، والتدفق المتزايد للتمثيليات الدبلوماسية الأجنبية في العيون والداخلة.
ويشدد السويح على أن أهمية تصريح وزير الخارجية تكمن في وضوحه السياسي، وفي تطابقه التام مع التوجه الملكي، مؤكدا أن المغرب اليوم يتحدث بلغة واحدة، ويبعث رسائل قوية مفادها أن الحل واضح ولا يمكن الالتفاف عليه.
كما اعتبر أن هذا الانسجام بين المؤسسة الملكية والحكومة يعزز المكانة الإقليمية والدولية للمغرب، ويدعم موقفه الراسخ في أي مفاوضات مستقبلية، خصوصا أن المغرب بات يمتلك رصيدا دبلوماسيا قويا يصعب تجاهله.
ويبسط السويح في تحليله ملامح التراجع الواضح للأطروحات المناوئة للمغرب، حيث أصبحت تعاني عزلة سياسية ودبلوماسية خانقة، وفشلت في تقديم أي بديل واقعي. ويؤكد أن لغة التهديد والتصعيد التي تلجأ إليها هذه الأطراف تعكس حالة ارتباك حاد، مقابل ثقة مغربية متصاعدة في الحل السياسي المبني على الواقعية والتوافق.
يختتم بلالي السويح تأكيده على أن الرؤية الملكية تظل حجر الأساس في نجاح السياسة الخارجية للمغرب، وأن قرار مجلس الأمن الأخير يعزز بشكل قاطع الموقف المغربي، ويجعل من مبادرة الحكم الذاتي الخيار الوحيد الجدي القادر على ضمان الاستقرار والتنمية في المنطقة.
ويضيف أن المغرب، بدبلوماسيته الهادئة والفعالة، يدخل مرحلة جديدة عنوانها ترسيخ المكاسب وتوسيع دائرة الحلفاء، في وقت يستمر فيه المجتمع الدولي في تثمين الطرح المغربي بوصفه نموذجا للحكمة السياسية والاستقرار الإقليمي.























