بقلم: المصطفى العياش/كابريس
في مشهد قضائي طال انتظاره، وضعت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مساء الجمعة، نقطة النهاية في ملف الدكتور حسن التازي، الاسم الذي ظل يتردد كثيرًا، لا لسبب سوى اقترانه بمهنة نبيلة وشهامة ظلت تتجاوز أسوار المصحات وحدود التخصص.
لقد كان المسار القضائي شاقًا، حيث وُجهت للمعني بالأمر ومن معه تهم ثقيلة من قبيل الاتجار بالبشر والنصب والاحتيال، وهي تهم مست مشاعر كثير من المتتبعين، خاصة من عرفوا الرجل عن قرب، ولامسوا فيه تلك الروح التي اختارت، طواعية، أن تجعل من التجميل علاجًا لآلام الناس، لا مجرد تجارة في الواجهة.
وها هي العدالة، بكل تدرجاتها ومؤسساتها، تسدل الستار على هذه القضية بحكم يقول الكثير دون أن يحتاج إلى شرح كثير: إسقاط تهمة الاتجار بالبشر عن الدكتور التازي وباقي المتابعين، وتبرئة زوجته وشقيقه وزميلته، مع تخفيض العقوبات الصادرة في حق آخرين. ولعل الأهم هو أن المحكمة، بتكوينها وضميرها، وضعت حدًا لقراءات كانت تُبنى في الفضاء العام على مواقف مسبقة لا على معطيات دقيقة.
إن ما عاشه الدكتور التازي طيلة هذا المسار لم يكن سهلًا، لكن ما أكده الحكم الاستئنافي يعزز مرة أخرى الثقة في دولة المؤسسات، وفي استقلالية القضاء كركيزة من ركائز دولة الحق والقانون، تلك التي تحمي الجميع دون تمييز، وتفصل في القضايا بالمنطق والبرهان، لا بالانفعال أو الانطباع.
في هذا الملف، لم يكن التازي مجرد متهم. كان وجهًا لمهنة الطب حين تصطدم نبل النية بتعقيدات القانون وتضارب التأويلات. وكان، قبل ذلك وبعده، أحد أولئك الذين آمنوا بأن للميسورين واجبًا تجاه المعوزين، وبأن للتكافل وجوهًا غير تلك التي تعكسها الإعلانات أو المؤتمرات.
صحيح أن القضاء قال كلمته الأخيرة، ولكن الأهم من كل ذلك هو ما لم يُكتب في المحاضر: سمعة، وكرامة، وتاريخ مهني طويل لم يكن من السهل أن يختزل في عناوين ساخنة أو منشورات انفعالية.
اليوم، نكتب لا لنزايد، بل لنمارس تضامنًا نابعًا من يقين مهني وأخلاقي، في أن بعض المحن، رغم قسوتها، قد تكون امتحانًا لصبر الأفراد وعدالة المؤسسات، وفرصة لنُعيد ترتيب العلاقة بين الفعل الخيري ومرجعيات القانون.
الدكتور التازي… لم تكن الحكاية مجرد محاكمة، بل درسًا في الصبر والثقة، وفصلاً آخر في قصة رجل لم يتوقف، في عز الأزمة، عن الإيمان بأن الطب رسالة، وأن المغاربة، رغم اختلاف المواقف، لا يرضون ظلمًا حين تنجلي الحقائق.