السلم الإعلامي المغربي… مُمكن

kapress21 أبريل 2025آخر تحديث :
السلم الإعلامي المغربي… مُمكن

بقلم: الإعلامي المصطفى العياش – جريدة “كابريس”

في قلب الزخم المتسارع الذي يعرفه المشهد الإعلامي الوطني، حيث تتقاطع تحولات التكنولوجيا مع انفلاتات الخطاب، تبرز الحاجة الملحّة إلى التأسيس لثقافة جديدة قوامها السلم الإعلامي. ليس بوصفه خياراً تجميلياً، بل باعتباره ضرورة استراتيجية لضمان استقرار الرأي العام، وصيانة المكتسبات الدستورية، وتعزيز مناخ الثقة بين وسائل الإعلام والمجتمع.

إن السلم الإعلامي، في جوهره، ليس نداءً إلى الصمت، بل دعوة إلى التعبير الرصين. ليس إلغاءً للنقد، بل تحصين له من الانزلاق نحو الإثارة الفارغة أو التوظيف العدائي. هو وعيٌ بأن الكلمة حين تُقال خارج ضوابط المهنية، قد تتحوّل من أداة توعية إلى أداة تهديم. ومن هنا تنبع خطورة المرحلة: فإما إعلام يُسهم في البناء، أو إعلام يُغذّي الاحتقان.

فهل هذا السلم الإعلامي مُمكن؟

نعم، مُمكن… حين نُعيد الاعتبار لأخلاقيات المهنة لا كوثيقة معلقة على الجدران، بل كثقافة يومية تحكم سلوك الصحفيين والمؤسسات الإعلامية.
مُمكن… حين تُواكب التكوينات الأكاديمية واقع الممارسة، وتُفرز جيلاً جديداً من الإعلاميين، مؤهلاً لمزاوجة الحرية بالمسؤولية.
مُمكن… حين ننتقل من منطق السبق إلى منطق الدقة، ومن نزعة الإثارة إلى فضيلة التحليل العميق.

السلم الإعلامي ليس شعاراً مناسباتياً، بل مشروع وطني يحتاج إلى جرأة التشخيص، وشجاعة التنفيذ. ويتطلب انخراطاً جماعياً: من الصحفي الذي يحرّر الخبر، إلى رئيس التحرير الذي يوجه خط الجريدة، إلى المؤسسة التي تُمارس الرقابة الذاتية، إلى المواطن الذي يستهلك المادة الإعلامية بعين نقدية.

الحديث عن السلم الإعلامي ليس ترفاً فكرياً بالنسبة لمن خبر دهاليز المهنة وتتبع تحوّلاتها عن كثب، بل هو خلاصة مسار طويل من الملاحظة والإنصات والتفاعل مع نبض المؤسسات والمهنيين على حد سواء. ولعل من يُدرك عن قرب خريطة الاشتغال الإعلامي، ويُعاين التحديات التي تواجهها مختلف المكونات، يُدرك أن لحظة التحول هذه ليست ظرفية، بل ضرورية، تستحق أن تُواكَب بمشاريع واقعية تنبني على تراكمات الميدان، لا على اجتهادات معزولة.

ولأن دينامية الإصلاح لا تكتمل إلا حين تلتقي إرادة المجتمع مع حِكمة المؤسسات، فإننا نُراهن أيضاً على حسّ مواكبة بعض الجهات التي دأبت، بحنكة وتبصّر، على تأطير لحظات التحوّل الكبرى في البلاد. تلك الجهات التي تعرف، بفطنتها، أن الاستثمار في خطاب إعلامي متوازن لا يقل أهمية عن باقي الأوراش الاستراتيجية، وأن دعم مثل هذه المبادرات ليس فقط رهاناً على الكلمة الرصينة، بل اختيار في اتجاه تعزيز منسوب الثقة، وضمان استقرار مناخ التعبير في سياقات دقيقة.

ولأن هذا الورش لا يمكن أن يرى النور إلا بتكامل الأدوار، فإننا نُراهن على يقظة الجسم الصحفي، وعلى حسه الوطني العالي، للانخراط في هذا التحوّل البنّاء، كلٌّ من موقعه. كما نُعلّق أملاً كبيراً على يقظة المؤسسات المعنية، تلك التي تتقاطع مسؤولياتها مع التنظيم، التأطير، والمواكبة، لأن الإصغاء لمثل هذه المبادرات قد يُشكّل لحظة فارقة في بلورة توجه جديد، أكثر اتساقاً مع التحولات الجارية، واستثماراً جماعياً في رصيد الثقة الذي يحتاجه الوطن اليوم، أكثر من أي وقت مضى.

ولأن اللحظة تفرض علينا تحمّل المسؤولية كاملة، فإن كل تأخير في تفعيل هذا المسار، سيكون ثمنه غالياً: مزيد من الاستقطاب، مزيد من العنف الرمزي، ومزيد من تآكل الثقة في المؤسسات.

لكن، ومع كل هذا، ما زال الأمل قائماً.
ما زال ممكناً أن نُعيد تشكيل ملامح إعلام مغربي متزن، ناقد، لكنه عادل. قوي، لكنه حكيم. إعلام يؤمن بأن المهنية لا تتناقض مع الوطنية، وأن الحرية لا تُمارَس ضد المجتمع، بل من أجله.

نعم، السلم الإعلامي المغربي… مُمكن

بقلم: الإعلامي المصطفى العياش – جريدة “كابريس”

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة