الشرق الأوسط على صفيح ساخن: الولايات المتحدة تدخل رسميًا في دائرة المواجهة بين إسرائيل وإيران

kapress22 يونيو 2025آخر تحديث :
الشرق الأوسط على صفيح ساخن: الولايات المتحدة تدخل رسميًا في دائرة المواجهة بين إسرائيل وإيران

أعده لــ “كابريس” المصطفى العياش ــ خالد بدري

في تطور استثنائي يعكس تصاعد منسوب التوتر في منطقة الشرق الأوسط، نفذت الولايات المتحدة، فجر الأحد 22 يونيو 2025، ضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت نووية إيرانية في كل من نطنز وفوردو وأصفهان، مُعلنة بذلك دخولها الميداني المباشر على خط الصراع بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية الإيرانية، في لحظة إقليمية موصوفة بفرط الحساسية، وتشابك المصالح، واختناق الخيارات الدبلوماسية.

وإذا كانت التوترات بين طهران وتل أبيب قد ظلت لعقود محكومة بضوابط “الردع المتبادل” و”الحرب غير المعلنة”، فإنّ ما جرى اليوم يمثل تحولًا جوهريًا في قواعد الاشتباك: من التهديد والتلويح، إلى الفعل المباشر المحسوب. وهو ما يطرح سؤالًا حادًا: هل نحن أمام بداية انفلات إقليمي واسع؟ أم مجرد حلقة جديدة من حلقات الضغط المدروس؟

فالمواجهة التي كانت تُدار عبر القنوات الخلفية والضربات غير المعلنة، أصبحت اليوم مفتوحة على سيناريوهات أشمل، قد لا تظلّ محصورة بين إيران وإسرائيل، بل تمتد جغرافيًا من الخليج العربي حيث تتمركز القواعد الأميركية وخطوط الطاقة العالمية، إلى شرق البحر الأبيض المتوسط حيث تتقاطع الجبهات النشطة في لبنان وسوريا وغزة.

هذا الامتداد المحتمل يجعل من الصراع تهديدًا شاملاً لاستقرار المنطقة، لأن أي انزلاق في الحسابات أو تصعيد غير مضبوط قد يُشعل جبهات متفرقة في وقت واحد، ويحوّل التوتر السياسي إلى مواجهات مسلحة تشمل دولًا ومحاور لها ارتباطات مباشرة أو غير مباشرة بالصراع القائم.

خلفيات الصدام: صراع استراتيجي بطبقات متعددة

لطالما اعتُبرت العلاقة بين إيران وإسرائيل واحدة من أكثر علاقات العداء تعقيدًا في المنطقة، بحكم تداخل الجغرافيا بالعقيدة، والنفوذ العسكري بالمشروع النووي، والتحالفات التقليدية بالاستقطابات الجديدة.

تاريخيًا، لم تتوقف إسرائيل عن التعبير عن رفضها المطلق لأي برنامج نووي إيراني، ولو للأغراض السلمية، فيما ظلت طهران ترى في تل أبيب “عدوًا وجوديًا” يحظى بدعم غير مشروط من الغرب، ويشكل تهديدًا دائمًا لوحدة المنطقة واستقرارها.

وقد شهدت الساحة الإقليمية منذ 2020 تصاعدًا لافتًا في وتيرة العمليات النوعية المتبادلة، شملت:

اغتيالات دقيقة استهدفت شخصيات من الصف الأول في البرنامج النووي الإيراني؛

ضربات إلكترونية استهدفت أجهزة الطرد المركزي؛

وتوسعًا في حروب الوكلاء من لبنان إلى اليمن، مرورًا بالعراق وسوريا.

غير أن ما جرى فجر هذا اليوم ينقل المواجهة إلى مربع جديد، حيث لم يعد الحديث عن حرب ظل، بل عن مواجهة ثلاثية الأبعاد: إسرائيلية–إيرانية–أميركية، قد لا يكون من السهل التحكم في مداها أو حدودها الجغرافية.

تفاصيل الضربة: ما وقع بالضبط؟

بحسب ما أعلنت عنه القيادة الأميركية، فقد تم استهداف ثلاث منشآت نووية إيرانية محصنة تحت الأرض باستخدام قنابل خارقة للتحصينات وصواريخ موجهة بدقة عالية. وجرى تنفيذ الهجوم انطلاقًا من قواعد في الخليج، بالتنسيق مع أجهزة استخبارات إسرائيلية وأوروبية.

الضربة لم تكن رمزية، بل اختارت أكثر المنشآت الإيرانية تحصينًا وتعقيدًا، في رسالة متعددة المستويات:

أولًا، لإيران: بأن خطوط واشنطن الحمراء لم تعد مرنة.

ثانيًا، لحلفاء واشنطن: بأن الدعم العسكري لإسرائيل ليس خيارًا ظرفيًا بل جزء من التزام ثابت.

ثالثًا، للمجتمع الدولي: بأن سياسة “الصبر الاستراتيجي” تجاه طهران قد بلغت مداها.

في المقابل، أعلنت إيران أن الهجوم لم يحقق أهدافه بالكامل، متوعدة بالرد في “الزمان والمكان المناسبين”، مع تأكيد على أن البرنامج النووي “لم يُشلّ”، وأن كل الخيارات “مطروحة على الطاولة”.

مواقف الأطراف وتداعيات التصعيد: منطقة على حافة الهاوية

مواقف الأطراف المعنية جاءت متباينة، ففي حين بررت الإدارة الأميركية تدخلها بأنه وقائي ودفاعي، وأكدت أنها لا تسعى إلى حرب مفتوحة لكنها لن تتردد في تنفيذ ضربات إضافية إذا اقتضى الأمر، رحبت إسرائيل علنًا بالضربة ورفعت حالة التأهب على كل الجبهات، مع تحذيرات داخلية من أن الرد الإيراني قد يكون غير تقليدي وقد يشمل فتح جبهات متزامنة من الجنوب والشرق والشمال. أما إيران، فقد تعهدت برد ذكي ومدروس، وأعلنت أن كل القواعد الأميركية والإسرائيلية في المنطقة أصبحت داخل مدى النيران، مما ينذر بجولات إضافية من التصعيد. على الصعيد الدولي، عبرت روسيا عن قلق بالغ ووصفت الضربة الأميركية بالمقامرة الخطيرة، بينما دعت الصين إلى ضبط النفس ورفضت أي استفزاز يهدد السلام العالمي. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى وقف التصعيد الفوري والعودة إلى المفاوضات، أما المواقف الخليجية فجاءت حذرة تميل إلى الترقب وعدم الانحياز العلني.

مع دخول الولايات المتحدة خط المواجهة المباشر، تتعقد أبعاد الصراع وتصبح المنطقة مرشحة لتوسع جغرافي وزمني يصعب ضبطه. احتمال التصعيد المباشر يتزايد، إذ قد يشمل رد فعل إيراني قاسٍ يستهدف قواعد أميركية وإسرائيلية في الخليج وشرق المتوسط، ما قد يؤدي إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات، لا تُحصى تبعاتها. في الوقت نفسه، تلجأ إيران إلى حلفائها في لبنان واليمن والعراق وسوريا لتوجيه ضربات متفرقة ومكثفة، ما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل المنطقة في حالة توتر دائم، مع مخاطر متصاعدة على المدنيين والاقتصادات المحلية. هذا الواقع يعكس هشاشة الأمن الإقليمي وتحول الصراع إلى جبهة مفتوحة تمتد من الخليج العربي إلى شرق المتوسط، في مشهد يحتمل انفجارات لا يمكن السيطرة عليها بسهولة. ومع هذا التحول الجوهري، حيث تخرج المواجهة من دائرة العمليات السرية والمحدودة إلى صدام مفتوح يلتقي فيه النفوذ العسكري بالسياسة، تقف المنطقة على شفا أزمة مركبة تهدد استقرارها بشكل غير مسبوق. التوازنات الإقليمية التي كانت تستند إلى ردع هش باتت تتهاوى أمام واقع المواجهة المباشرة، ما يجعل كل حساب خاطئ أو تصعيد غير محسوب مدخلاً محتملاً لحرب إقليمية واسعة، حاملة معها تداعيات إنسانية وسياسية واقتصادية بالغة الخطورة. في ظل هذا المشهد، لا بد من حذر شديد من جميع الأطراف، ووعي عميق بأن أي انزلاق قد يؤدي إلى عواقب لا يمكن تداركها بسهولة، مما يجعل ضبط الأوضاع ضرورة قصوى للحفاظ على ما تبقى من استقرار المنطقة.


المغرب في قلب التحديات الإقليمية: الاستراتيجية في ظل تصاعد الصراع الشرق أوسطي

في ظل التطورات الحادة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والدخول المباشر للولايات المتحدة في المواجهة بين إيران وإسرائيل، يفرض الواقع الإقليمي الجديد على المغرب ضرورة تبني استراتيجية متكاملة تجمع بين الحذر والفعالية. لا يقتصر دور المغرب على كونه طرفًا متفرجًا، بل عليه استثمار موقعه الجغرافي والسياسي المتميز ليكون ركيزة أساسية في استقرار شمال إفريقيا والمحيط الأطلسي.

الاستراتيجية المغربية تتجلى أولاً في تعزيز الأمن الوطني ومراقبة الحدود، مع التركيز على منع تسلل أي تأثيرات أو جماعات متطرفة قد تستغل حالة التوتر، لا سيما عبر الصحراء والمناطق الحدودية الحساسة. من جهة أخرى، يعمل المغرب على تطوير منظومات الاستخبارات والتعاون الأمني الدولي، مع شركائه في الغرب والشرق، ليبقى قادرًا على رصد التهديدات المحتملة والتصدي لها بكفاءة.

علاوة على ذلك، يحرص المغرب على تنويع اقتصاداته وتحصينها ضد أي صدمات خارجية ناجمة عن عدم استقرار سوق الطاقة أو الأسواق المالية العالمية، مع الدفع بقوة نحو تطوير مصادر الطاقة المتجددة التي توفر استقلالًا أكبر وأمانًا اقتصاديًا.

دبلوماسيًا، يملك المغرب أدوات فريدة يمكن توظيفها دون الانزلاق في المزايدات الإقليمية أو الصراعات المباشرة، عبر الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف الفاعلة، بما يضمن له دورًا محوريًا في دعم السلم والاستقرار الإقليمي، سواء عبر المشاركة في المنتديات الدولية أو المبادرات الإفريقية.

في ظل هذه المعطيات، يبرز المغرب كفاعل محوري يمتلك أدوات فريدة تمكنه من لعب دور استراتيجي مميز في منطقة تتسم بالتقلبات والصراعات. إن استراتيجيته المبنية على توازن متقن بين تعزيز الأمن الوطني، وتطوير التعاون الدولي، والحفاظ على استقلالية القرار الدبلوماسي، تمكّنه من المساهمة الفعالة في دعم الاستقرار الإقليمي دون الوقوع في دوامة الصراعات. كما أن التزامه بالتنمية الاقتصادية المستدامة وتنويع مصادر الطاقة يزيد من صلابته الاقتصادية، ويضعه في موقع قوة يمكنه من الصمود أمام تداعيات الأزمات الخارجية. بهذا النهج المتوازن والواعي، يؤكد المغرب مكانته كلاعب رئيسي قادر على ترجمة رؤى الأمن والسلم إلى واقع عملي يضمن له وللمنطقة مستقبلًا أكثر استقرارًا وأمانًا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة