بعد المقال السابق الذي خصصناه لفهم خلفيات اعتقال الصحفي والناشط الحقوقي حليم بيطار، بناءً على شكاية مباشرة من الفنان الشعبي عادل المدكوري تتهمه بالتشهير والابتزاز، عُقدت الجلسة الأولى يوم الخميس 3 يوليوز 2025، وسط اهتمام إعلامي واسع، في انتظار الجلسة الثانية التي ستُعقد يوم الاثنين 7 يوليوز.
شكاية رسمية بين فنان وحقوقي
في زمن أصبحت فيه المحاكمات، خصوصاً حين تتعلق بالصحافة والرأي العام، تحت الأضواء وعيون التأويل، برزت هذه القضية كواحدة من الملفات التي تُختبر فيها الحدود بين الحق في النقد وحدود القانون، وبين استقلال القضاء ورغبة البعض في توجيه مساراته بطرق غير مباشرة.
لا تخفى على أحد أن التوتر بين حرية التعبير واستقلال القضاء هو تحدٍّ عالمي يواجهه الكثير من الأنظمة، لكن في المغرب يكتسب هذا التوتر أبعاداً خاصة بسبب حساسية الرأي العام وسرعة انتشار المعطيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعل لكل قضية أصداء تتجاوز قاعات المحاكم إلى فضاءات عامة تتسم أحياناً بالتحيّز والتشنج.
الجلسة الأولى كشفت عن معطيات جانبية، حاول البعض استثمارها خارج سياقها القانوني، خاصة بعد تداول صورة قديمة جمعت أحد المسؤولين القضائيين بأحد أطراف الملف، وهي صورة جرى استحضارها فجأة من الأرشيف، ووُضعت في سياق أُريد له أن يوحي بوجود تأثير محتمل على مجريات القضية.
لكن التقاط صورة داخل مكتب مسؤول، في إطار زيارة علنية وبحضور شهود، لا يمكن أن يُعد قرينة اتهام أو شبهة تواطؤ، بل هو سلوك طبيعي داخل مؤسسات تنهج سياسة القرب والانفتاح. والغريب أن تُستعمل هذه الصورة، بعد سنوات، كورقة توظيف رمزي، في محاولة لتحريف اتجاه الرأي العام، بل وحتى التأثير على قرار قضائي يتعلق بالسراح المؤقت.
وليس بغريب أن يثير هذا التسريب، الذي لم يُعرف مصدره إلى الآن، تساؤلات حول مسؤولية من سرب هذه المعطيات الحساسة من داخل أروقة القضاء، خصوصاً أن تسريب معلومات من ملف قضائي يعد مخالفة خطيرة قد تهدد سلامة سير العدالة وتعرض أطرافاً لضرر نفسي واجتماعي غير مبرر.
لقد بدا واضحًا أن بعض الأطراف حاولت تسويق هذه الصورة ليس لتنوير السياق، بل من أجل التشويش وخلق جو من الشك، وهي مناورة تطرح أكثر من علامة استفهام: من سرّب الصورة؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وما الغاية منها.
في المقابل، انجرّ بعض المحامين، وهم على دراية بحساسية اللحظة، إلى تصدير معطيات هامشية داخل الجلسة، وتحويلها إلى مادة للنقاش، بدل الترافع في جوهر الملف.
والأدهى من ذلك، أن بعض الجهات خارج المحكمة بدأت تُغذي هذا الملف بتسريبات وانتقائية في المعطيات، عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
تساؤلات وحوارات… والقضاء يحافظ على مصداقيته
رغم ما تُثار من تساؤلات وتسريبات تضع الملف في دائرة الجدل، فإنّ القضاء أثبت في مناسبات عدة قدرته على الاحتفاظ باستقلاليته والالتزام بمبادئ العدالة. هذه القوة تستمدّ من قواعد القانون، ونزاهة القضاة، ووعي المجتمع بأهمية احترام مؤسسة العدالة.
فالعدالة ليست مجرد أحكام تُصدر، بل هي ضمانة لاستقرار الدولة وحقوق الأفراد، وقوة في وجه كل محاولات التشويش والضغط.
إننا نذكر قراءنا أن المحاكمات لا تُحسم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال صور ومقاطع تُروّج خارج السياق، بل في قاعات المحكمة التي تحترم السرية من محامين محترفي، ومن مسؤولية الجميع، كمواطنين وفاعلين إعلاميين، عدم الانجرار وراء التأويلات المضللة.
وفي هذا السياق، نُسجل في جريدة “كابريس” أن الإعلام مطالب اليوم بأعلى درجات المسؤولية، لا بالانخراط في تغذية الضباب، بل بتوثيق النقاش القانوني بدقة، والابتعاد عن المزايدات. كما أن من واجب كل المتدخلين احترام استقلال القضاء، وعدم الخلط بين الحياة الشخصية للمسؤولين وسياق الملفات المطروحة.
نثق في أن القضاء يمتلك ما يكفي من الحكمة واليقظة لمواصلة السير في هذا الملف بحزم وهدوء، بعيدًا عن الضغوط والتأويلات. فالأحكام لا تُبنى على الصور، بل على الوقائع والقرائن. والإعلام الحر، حين يلتزم بالمسؤولية، يمكن أن يكون سندًا للعدالة لا عبئًا عليها.
جريدة “كابريس” ــ الملف مفتوح… والعدالة وحدها لها الكلمة الفصل
