بقلم_منيرنافيع/كابريس
“العيون” مدينة الموارد والأرصدة السمينة، تتكرر المهزلة، لكن بصمت ثقيل ووقح. وثائق مسربة نشرتها جريدة الحياد24 كشفت أن جماعة العيون ترصد ميزانية سنوية ضخمة بقيمة مليار و254 مليون سنتيم تحت غطاء “الدعم الاجتماعي للفقراء والمحتاجين”. رقم مذهل، لكنه يستهلك كل عام دون أن يظهر له أثر، كأنما يدفن في مقابر من السرية والزبونية والمحسوبية.
الواقع على الأرض لا يرحم. الفقر موجود، الحاجة تزداد، و”الفقراء” الذين سجلت أسماؤهم في الوثائق لا علاقة لهم بالواقع المأساوي الذي تعيشه أحياء بكاملها في الهامش. من يستفيد من هذه الأموال إذن؟ الجواب، حسب تفاعل الساكنة، صار واضحا: “الحاشية، والمقربون، وأصحاب الولاءات السياسية”.
ليس هذا مجرد تلاعب إداري، بل إهانة جماعية لسكان العيون، واستهزاء فج بأبسط مفاهيم الكرامة.
المواطنون لم يعودوا في حاجة إلى خطب أو تبريرات. الناس تفهم، وتحلل، وتدرك أن هناك مالا عموميا ينهب بأدوات قانونية وواجهات اجتماعية، في مشهد عبثي صار متكرراً حد الوقاحة.
السكوت الرسمي لحد الساعة مثير للريبة. لا بلاغات توضيحية، لا لجان افتحاص، لا تحقيق قضائي، لا شيء. وكأن الأمر لا يعني أحداً، وكأن مليارا وربع المليار سنتيم مجرد تفصيل صغير في زمن الرضا الجماعي بالفساد.
السؤال هنا ليس: أين صرفت الأموال؟ بل: من يملك الجرأة ليحاسب؟ ومن لديه الشجاعة ليوقف هذا العبث؟
ثم ما دور السلطة الوصية؟ أين الوالي؟ أين المفتشية العامة لوزارة الداخلية؟ أين النيابة العامة؟
أم أن الصمت أصبح لغة رسمية تغطي على كل ما لا يمكن تبريره؟
هذا ليس اتهاما عبثيا. هذه معطيات منشورة، وتسريبات موثقة، وغضب شعبي مشروع. وهذه مسؤولية سياسية وأخلاقية قبل أن تكون محاسبة مالية.
من العار أن تتحول أموال الدعم الاجتماعي إلى أداة لتثبيت النفوذ السياسي، وأن يُقصى الفقراء الحقيقيون في مقابل توزيع “الخير” على من لا يحتاجه.
إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد، فلتبدأ من هنا.
وإذا كان القانون فوق الجميع، فلنراه يُطبق على من استباح المال العام باسم الحاجة، واستغل فقر الناس لتمرير مصالحه.
أما أن تمر هذه الفضيحة كأن شيئا لم يكن، فذاك إعلان صريح بأن دولة القانون ما زالت مؤجلة، وأن المواطن في هذا الوطن ما زال مجرد رقم يُستخدم ولا يحترم.