
بقلم : رضوان البقالي/كابريس
___________. _
لا شك أن الغش هو حيلة من الحيل التي إستعملتها فئة من الناس في الماضي لخداع فئة أخرى فردا كان أو جماعة ومع مرور الزمن تطور وأصبح مجالا للإبداع والتميز عند البعض ؛ وإن كان الغش مبدئيا سلوك غير مقبول وظاهرة خطيرة تؤدي بالمجتمعات إلى التهلكة وفقدان التوازن المجتمعي والإنهيار الأخلاقي ؛ بٱعتباره يأخذ أشكال متنوعة ومختلفة ليست لها صيغة محددة فهو مجال من مجالات المكر والخداع ؛ولايخفى على كل متتبع للشأن العام ببلادنا أن يوم السبت 16 دجنبر 2023 كان موعد لفئة عريضة من المجتمع مع إجتياز مباراة” ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين لتوظيف أطر التدريس والأطر المختصة ” حيث شهدت هذه الأخيرة حالات من الغش وتسريبات لأوراق الإمتحان في مواقع التواصل الإجتماعي وسجلت حالات لمن قام حتى بتسريب ورقة الإمتحان الخاصة به مرفقة بٱسمه الكامل “الغش ينقلب عن صاحبه ” نظرا للرعب الداخلي الذي يعيشه وعدم التوازن النفسي نتيجة الخوف من الرسوب والعودة إلى أحضان الشارع وهو يعرف مسبقا أن الرسوب هذه السنة قد يحرمه من إجتياز المباراة مرة أخرى لعدة إعتبارات أهمها :
-تسقيف سن الولوج لمهنة التدريس المحصور في 30 سنة ؛
- الإنتقاء الذي يطبعه طابع المزاجية ولا يعتمد على شروط منطقية تراعي خصوصيات الأغلبية من حاملي الشواهد العليا؛
فعلا اليوم نحن أمام مفارقة عجيبة وظاهرة مزقت كل القيود حتى أضحت في الواجهة تشغل بال العديد من المهتمين التربوين وكل من له غيرة عن قطاع حيوي يرجى منه حلحلة ترسبات الفساد وتجفيف مستنقع التخلف بتواز مع ماهو سائد في بلدان متقدمة وحتى من هي في طور النمو .
لايختلف عاقلان على أن مهنة التدريس ليست كباقي المهن الأخرى ؛ فهي تتميز بنوع من السمو خصوصا في البلدان التي تحترم نفسها و تجعل من التعليم مركز أمنها القومي وأساس وجودها ؛مرارا مانسمع شعارات مدرسة الجودة والتميز …وبرامج الإصلاح التي تبقى حبيسة رفوف الوزارة الوصية في أحسن الأحوال وهذا الطرح يجيد ظالته فيما نشهده من تعدد للظواهر الخطيرة من داخل مجتمعنا ولعل الغش في الإمتحانات والمباريات خير دليل على إنهيار الجدار الواقي للمجتمع من المرضيات التي تحدق به التي غالبا مايكون أساسها إقتصادي وسياسي ولكن مع فساد منظومة التربية والتعليم طبيعي جدا أن يصبح الغش وسيلة للنجاح وللتنافس وفي حالة إذا وجد مترشح مبدئي يعتمد على نفسه من خلال ماراكمه من معارف أثناء مدة دراسته بالمدرسة والجامعة وبين صفحات الكتب… يتم استفزازه من الآخرين ونعته بالمتخلف و”ذمذومة” بلغة الشارع فالمترشح الذكي والمتمكن في نظرهم هو الغشاش “النقال” .
فالغش “النقيل” لم يعد مجرد سلوك أو حالة عابرة بل أصبح مشكلة تربوية وظاهرة مجتمعية معقدة تعيق مسيرة البلد التنموية ؛ إذ تصنف على أنها أخطر المشاكل التي يواجهها التعليم المغربي وأوسعها تأثير على حياة المترشح وتطور المجتمع من حوله ؛ليس من السهل التطبيع مع سرقة أفكار ومجهود الآخرين دون مانقف وقفة تأمل ونرفع الورقة الحمراء لإعلان حالة الخطر التي تهدد مستقبل المجتمع بدون ٱستثناء بحيث لم يبقى الكافي من الوقت للإنذار؛ عندما يتعلق الأمر بمهنة التدريس يجب على الجميع التنديد بالخطر القادم وتشكيل جبهة قوية تضم المختصين التربوين والمسؤولين الحكوميين والحقوقيين وكل القوى الحية في المجتمع… لمواجهة الجهل والتخلف ؛تاريخيا كان التعليم قضية مجتمع بكامله وليست حبيسة جذران المدرسة والجامعة أو مراكز التكوين…وليعلم الجميع أن الغش مذموم دينيا ومرفوض قانونيا وأخلاقيا…والمترشح الغشاش اليوم هو أستاذ الغذ ؛فكيف يمكن حماية أبناء الشعب من الأستاذ الغشاش وما سيقدمه من خدمات مغشوشة في حالة وصوله إلى مراكز التكوين ثم إلى القسم؟
الحرب الدائرة رحاها اليوم في قطاع التعليم جزء منها بين الوزارة الوصية وبين الشغيلة التعليمية وجزء أخر بين أبناء الشعب فيما بينهم ؛فالمعلم الغشاش بوعي أو بدونه سينقل تلك الصفة الذميمة إلى تلاميذه وطلابه مستقبلا وهذا لامفر منه؛ ويقول المغاربة قديما “مين مداز المخيط كيدوز الشريط” ولهذه الكارثة التربوية والأخلاقية عدة أسباب نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
-عدم ملائمة وضعية الإمتحان مع ماتلقاه المترشح من معارف خلال مرحلة تعلمه ؛لايعقل أن يختبر حاملي الإجازة في الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض والإعلاميات …في البيداغوجيا والديداكتيك ولم يسبق لهم دراستها ولا يعرفونا منها إلا الإسم ومنطقيا والمتداول عالميا والمعروف بيداغوجيا يمتحن المترشح في مواد سبق له دراستها وليس العكس وإن كان كذلك ماالهذف إذن من دراستها مجددا في مراكز التكوين مع العلم أن إجتيازها تم بنجاح من طرف المترشحين ؛صدق القول من قال مادمت في المغرب فلا تستغرب؛
-تسقيف السن في 30 سنة وهذا لوحده ليس له مايبره سوى الإقصاء الممنهج لفئة عريضة من حاملي الشواهد العليا مما يجعل المتتبع للوضع يخلص إلى مفاذه أن الإنتقاء يعتمد على الشكل بدل المضمون ؛السن مجرد رقم والجودة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمقومات العلمية للمترشح ومدى عشقه لمهنة التدريس وقدرته على بذل قصارى جهده و تفانيه في عمله عوض أن يكون تعليم الأجيال مرتبط بالهروب من البطالة و إمتلاك سيارة من نوع داسيا ومنزل في السكن الإجتماعي ثم زوجة وأولاد ودفعهم مستقبلا للمدرسة حيث يوجد الأستاذ الغشاش ويتم إعادة نفس الشروط التي أنتجت الغشاش الأول والنتيجة غشاشين جدد !
-الفئة التي وكلت لها حراسة المباراة كانت عبارة عن خليط غير متجانس من أساتذة القطاع الخاص وعدد قليل من الأساتذة غير المضربين وطلبة المدرسة العليا للأساتذة بالرباط لأن الفئة التي من المفروض أن تتكفل بالحراسة تخوض إضراب لمدة تجاوزت الشهرين على الأقل ومقاطعة الحراسة كانت ضمن برنامجها النضالي المسطر مسبقا ؛وللغرابة الفئة التي كانت ضمن طاقم الحراسة ممنوعة من إجتياز المباراة نظرا لتجاوزها السن القانوني المحدد إعتباطيا في 30 سنة ؛
مهما تعددت الأسباب وتداخلت فيما بينها فالمسؤولية تاريخية إرتبطت بفشل كل محاولات الإصلاح الرامية لتجويد وإصلاح المنظومة حيث بدأت مع سياسة التقويم الهيكلي مرورا بالميثاق الوطني للتربية والتكوين وصولا إلى المخطط الإستعجالي ثم الرؤية الإستراتيجية (2015-2030) التي لم نرى منها سوى الإحتقانات الإجتماعية وهدر للمال العام دون نتائج مرضية على أرض الواقع تشفي غليل حاملي الشواهد والأسر المغربية التي تعلق آمالا كبيرة على مثل هكذا مبارايات لإنقاذ فلذات أكبادها من قساوة ومرارة الواقع نحو وظيفة تضمن لهم جزء من العيش الكريم..
