المغرب/قطر : بيان سيادي بلغة الحزم… المغرب ينتصر لعروبة القرار ويكشف ارتباك الجزائر في خندق إيران

kapress24 يونيو 2025آخر تحديث :
المغرب/قطر : بيان سيادي بلغة الحزم… المغرب ينتصر لعروبة القرار ويكشف ارتباك الجزائر في خندق إيران

في منعطف دقيق من تاريخ المنطقة، حيث تتشابك النزاعات العسكرية بالمناورات الدبلوماسية، برز موقف المملكة المغربية، مرة أخرى، كصوت سيادي واضح في محيط عربي يزداد هشاشة وتصدّعًا. الهجوم الصاروخي الإيراني الذي طال قاعدة “العديد” الأمريكية فوق الأراضي القطرية لم يكن فقط عملًا عسكريًا عدائيًا، بل محطة اختبار كاشفة لمدى قدرة الدول العربية على الدفاع عن سيادة بعضها البعض، بعيدًا عن الحسابات الإيديولوجية والاصطفافات غير البريئة.

هذا الحادث لم يقع في فراغ، بل جاء في لحظة حساسة تتقاطع فيها رهانات الأمن القومي العربي مع تحديات الاستقطاب الإقليمي والدولي، ليضع أمام الدول العربية امتحانًا صريحًا: من يقف فعلًا إلى جانب المبادئ المؤسسة للعمل العربي المشترك، ومن يختبئ خلف ضبابية المواقف خشية إغضاب أطراف غير عربية.

المغرب… وضوح الدولة في زمن الترددات

من الرباط، صدر بلاغ رسمي عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، يحمل لهجة سيادية صريحة، تُدين الهجوم الإيراني “السافر” على قطر، وتعلن تضامنًا تامًا مع الدوحة، مؤكدة أن أي مساس بأمن قطر هو مساس بمنطق السيادة الجماعية للعرب.

بلاغ الرباط لم يكن رد فعل متسرعًا، بل موقفًا محسوبًا يرسم بوضوح حدود الاصطفاف السياسي والعسكري للمملكة، في انسجام تام مع علاقاتها الاستراتيجية المتينة بدول الخليج، وخاصة قطر، ومع شراكتها التاريخية مع الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأمني والعسكري الوثيق. وهو موقف ينسجم مع مواقف سابقة للمملكة، خاصة في محطات التوتر الإقليمي التي تتطلب تموقعًا صريحًا وواضحًا إلى جانب الشرعية والسيادة.

هذا التموقع المغربي لا يعكس فقط انسجامًا دبلوماسيًا، بل يؤكد على أن المملكة المغربية تعتبر نفسها معنية مباشرة بحماية الاستقرار في الخليج، وتُدرك أن الأمن الإقليمي العربي وحدة متكاملة لا تقبل التجزئة ولا التلاعب. كما أن هذا الموقف يعبّر عن رؤية استراتيجية طويلة المدى، ترى في أمن الخليج صمام أمان لاستقرار شمال إفريقيا أيضًا، في ظل ما يشهده الإقليم من تداخلات أمنية معقّدة.

الجزائر… لغة الرماديات وحرج الاصطفاف

في المقابل، جاء بيان الجزائر مترددًا، غامضًا، وخاليًا من أي تسمية للفاعل أو تحديد للمسؤولية، رغم أن إيران أعلنت رسميًا تبنيها للهجوم. وبدل الانضمام إلى موجة الإدانات العربية، اختارت الجزائر لغة ملتوية تحدثت عن “الانتهاكات” دون تحديد الطرف المعتدي، مع توجيه الإدانة الضمنية نحو أطراف أخرى في المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل، وكأنها تُحاول دفع الشبهة عن طهران بأي ثمن.

هذا الحذر الجزائري، الذي بدا للبعض مجرد “حياد”، لا يُمكن فصله عن شبكة من التحالفات السياسية التي تنسجها الجزائر مع إيران ومحاور إقليمية أخرى تناوئ الاستقرار العربي، وتستثمر في تفكيك وحدة المواقف خدمة لأجندات عابرة للجغرافيا والانتماء القومي. وهو ما يُطرح بقوة على مستوى مصداقية الجزائر إقليميًا، خاصة في ظل تناقض خطاباتها المعلنة حول الدفاع عن السيادة ورفض التدخلات الخارجية، مع سلوكها الذي يغض الطرف عن اعتداءات واضحة تمس سيادة دولة عربية شقيقة.

أكثر من ذلك، فإن التردد الجزائري في تسمية إيران صراحة، يكشف عن إشكالية بنيوية في صناعة القرار الخارجي لديها، تقوم على المزاجية الإيديولوجية لا على الرؤية الواقعية، وهو ما يجعلها في مواقف شائكة ومحرجة كلما تعلق الأمر بقضايا الأمن القومي العربي.

من الدوحة إلى الرباط… ميزان الوضوح يميل

الفرق بين موقف الرباط وموقف الجزائر لم يكن فقط في درجة التصعيد أو لغة البلاغ، بل في عمق الرؤية الاستراتيجية. المغرب لم يُدِن فقط، بل أكد من خلال بيانه أنه شريك موثوق، وأن أمن الخليج يُعد امتدادًا لأمنه القومي. في حين أن الجزائر قدّمت مرة أخرى صورة بلد يفضل مراعاة مصالحه مع إيران على حساب التضامن العربي الفعلي.

وتكتسي هذه المفارقة دلالة أكبر في سياق التحولات الجيوسياسية الحالية، حيث لا مكان للدول المتذبذبة، ولا وزن للمواقف الرمادية. فالمملكة المغربية، باصطفافها الذكي، لا تدافع فقط عن حليف عربي، بل تُعيد ترسيم موقعها كلاعب وازن وقادر على التأثير في هندسة التوازنات الجيوسياسية الجديدة. لقد برهنت الرباط، من خلال هذا الموقف، أنها دولة ذات سيادة قرار، تقرأ المشهد الإقليمي بنضج استراتيجي، وتبني علاقاتها وفق مبادئ راسخة وليست خاضعة لميل الريح.

وفي مقابل الارتباك الذي طبع موقف الجارة الشرقية، تواصل المملكة تأكيد موقعها ضمن حلف استراتيجي متماسك، يضم دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية، والذي لا يتردد في التصدي لأي تهديد مباشر أو غير مباشر يمس سيادة أي من أعضائه أو يخل بأمن المنطقة. وهو ما يعزز صورة المغرب كدولة تملك استقلالية قرارها، لكنها لا تتردد في التنسيق الوثيق مع شركائها في الدفاع عن القيم والمصالح المشتركة.

المغرب… بين الدفاع والقيادة

إن ما يلفت الانتباه في التعاطي المغربي مع هذا الحدث ليس فقط الانحياز الواضح إلى الحق، بل القدرة على الجمع بين الخطاب السيادي والخطاب العقلاني. فالرباط لم تكتف بلغة التنديد، بل وجّهت عبر بيانها رسائل متعددة الاتجاهات، محورها أن المغرب لن يقبل بأي تهديد موجه ضد دولة عربية، ولن يتردد في اتخاذ المواقف التي تفرضها مبادئه وتحالفاته.

وفي هذا السياق، تبرز المملكة المغربية، اليوم، كقوة إقليمية صاعدة، تتوفر على جميع مقومات القيادة: وضوح في المواقف، ثبات في التحالفات، مرونة في الوساطة، وشرعية تاريخية تجعل منها صوتًا مسموعًا ومؤثرا في المحافل الدولية. كما أن انفتاحها على الشركاء الغربيين، دون التفريط في عمقها العربي والإفريقي، يجعل منها نقطة توازن في محيط مضطرب، ودولة يمكن أن تلعب أدوارًا أكبر في المستقبل القريب، سواء في الوساطة أو في إنتاج الاستقرار.

الرباط تُوازن وتُبادر

في عالم يعج بالتحولات والصراعات، لم تعد الدول تُقاس فقط بمساحتها الجغرافية أو كثافتها السكانية، بل بقدرتها على التموقع، والمبادرة، وبناء التحالفات الذكية. والمغرب، عبر مواقفه المتكررة في قضايا جوهرية، بات يُشكل مرجعية جديدة في المنطقة، تعتمد على السيادة المتزنة، والدبلوماسية النشيطة، والانخراط الذكي في التحالفات الدولية.

وإذا كان البعض يتردد أو يلتف أو يختبئ وراء لغة غامضة، فإن المغرب يعلن، من خلال بيانه هذا، أنه حاضر، مسؤول، وحازم… وفاعل رئيسي في معادلة أمن الخليج والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بشراكة متينة مع أشقائه الخليجيين، وبدعم استراتيجي من واشنطن. وهو ما يُؤهله للعب دور محوري في مرحلة تعيد فيها المنطقة بناء توازناتها السياسية والعسكرية.

هكذا، يصبح بيان الرباط أكثر من مجرد موقف دبلوماسي… بل عنوانًا لمرحلة جديدة تُعيد فيها المملكة المغربية رسم توازنات التأثير في المنطقة، من موقع الفاعل السيادي القادر على الجمع بين الحزم والحكمة، وبين الوفاء للتحالفات والتمسك بالمصلحة العربية العليا.

إعداد: المصطفى العياش ــ سكرتير تحرير جريدة “كابريس”
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة