النقابة الوطنية للصحافة المغربية تتصدى لقانون المجلس الوطني: حراك احتجاجي من أجل الإعلام الحر

kapress9 أغسطس 2025آخر تحديث :
النقابة الوطنية للصحافة المغربية تتصدى لقانون المجلس الوطني: حراك احتجاجي من أجل الإعلام الحر

تتخذ قضية حرية الصحافة اليوم منحى خطيرًا مع مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، الذي يهدد استقلالية المهنة ويضعها في مهب الريح. هذا المشروع، الذي قُدّم في لحظة سياسية حساسة، يأتي في سياق تتزايد فيه مؤشرات تضييق مساحات التعبير المستقل، وإعادة رسم قواعد اللعبة داخل المؤسسات المهنية، بما يتلاءم مع توازنات سياسية واقتصادية ضيقة، بدل أن يكون خطوة في اتجاه تعزيز استقلالية المهنة.

لا يختلف اثنان في أن المجلس الوطني للصحافة، الذي أُحدث بدعوى تنظيم ذاتي للقطاع، أصبح اليوم مؤسسة يعاب عليها الكثير من القصور، ويتهمها المهنيون بعدم تحقيق الاستقلالية المنشودة، بل والانخراط أحيانًا في آليات تحكم ضيقة، تخدم أجندات سياسية واقتصادية على حساب حرية الصحافة. إن هذا الوضع يعكس هشاشة المشروع الذي بُني على أُسس قد لا تكون سليمة، ويطرح تساؤلات جوهرية حول جدوى استمرار هذه المؤسسة في شكلها الحالي.

لقد تم تمرير المشروع في مجلس النواب بسرعة غير معهودة، ودون إشراك فعلي للنقابات والهيئات المهنية والحقوقية التي تمثل الصحفيين وناشري الصحف، وهو ما اعتبره المتتبعون ضربًا لفلسفة التشارك التي يفترض أن تميز أي إصلاح يتعلق بحرية الصحافة. فكيف يمكن لمؤسسة يُفترض أن تجسد روح التنظيم الذاتي أن يُعاد هيكلتها بقرارات فوقية وأجندات لا تخلو من حسابات سياسية واقتصادية ضيقة؟

الجرائد الإلكترونية.. قلب النبض الحقيقي للرأي العام الوطني

وفي قلب هذا المشهد، يبرز معطى مهم لا يمكن تجاهله: النقابة الوطنية للصحافة المغربية تملك اليوم حضورًا وازنًا، بل وأغلبية واضحة داخل المشهد الرقمي والجرائد الإلكترونية، وهو ما يمنحها قدرة كبيرة على التأثير في الرأي العام. وهذا المعطى، بدل أن يكون مصدر توتر، يمكن أن يشكل رصيدًا استراتيجيًا للحكومة إذا أحسنت تدبيره، ودعمته، واستثمرته في خدمة المهنة والوطن.

واللافت أن غالبية الجرائد التي تُعتبر نفسها كبيرة، والتي تستفيد من الدعم الكبير، غالبًا ما تعاني من ضعف القراءة والمتابعة الحقيقية لهموم المواطن، بينما تبرز الجرائد الإلكترونية كالقلب النابض الذي يتابع هموم الناس، ويدافع عن القضايا الوطنية الكبرى، من بينها دعم المؤسسة الملكية وملف الصحراء المغربية.

لكن، وفي غياب إشراك فعلي واحتضان إيجابي لهذا الثقل النقابي والمهني الرقمي، فإن الخطر يكمن في أن يتحول هذا النفوذ إلى قوة احتجاجية قادرة على تعبئة الشارع الإعلامي، وربما الميداني، عبر الاعتصامات والمسيرات التي بدأت ملامحها تلوح في الأفق.

وللأسف، يبدو أن الحكومة، بدل أن تتبنى مقاربة تشاركية تقوم على الحوار مع المهنيين، اختارت الطريق الأحادي، مما زاد من تعقيد الوضع وأشعل فتيل الاحتقان داخل الجسم الإعلامي. وهذا المنهج لا يخدم لا مصالح الإعلام ولا صورة البلاد، بل يعمق الهوة بين السلطة والمهنة، ويهدد المكتسبات التي ناضل من أجلها الإعلاميون طيلة عقود.

والمفارقة أن كثيرًا من المهنيين باتوا اليوم يطرحون سؤالًا ظل لسنوات من المحظورات: هل كان من الأصل ضروريًا إحداث المجلس الوطني للصحافة؟ فالأحداث الأخيرة تكشف أن هذه المؤسسة، التي جاءت لتكريس الاستقلالية، تحولت إلى ساحة تجاذب بين السلطة السياسية والمصالح الاقتصادية، إلى درجة تجعل البعض يستحضر زمن وزارة الإعلام، حيث كانت قواعد اللعبة أوضح، والمسؤوليات محددة، والوصاية معلنة بدل أن تكون مغلفة بشعارات التنظيم الذاتي.

المكونات النقابية والمهنية للقطاع، مدعومة بعدد كبير من المنظمات الحقوقية والإطارات الأكاديمية، رأت في هذا المشروع تهديدًا لمكتسبات ناضلت من أجلها أجيال من الصحفيين، ومقدمة لمرحلة قد تشهد تضييقًا غير مسبوق على استقلالية الإعلام. فقد وقف ممثلو هذه المكونات، في اجتماعات وندوات وأيام دراسية، على خطورة الصيغة التي جاء بها المشروع، وما قد يترتب عنها من تداعيات تنظيمية ومهنية، بل وحتى سياسية، في مشهد إعلامي يعيش أصلاً تحديات بنيوية.

من هنا، تقرر إطلاق برنامج احتجاجي وطني، يشمل وقفات ومسيرات واعتصامات في مختلف الجهات والأقاليم، دفاعًا عن المشروعية القانونية للمجلس، ورفضًا لمبدأ فرض الوصاية على القطاع. وفي موازاة ذلك، سطّرت هذه المكونات برنامجًا تواصليًا واسعًا مع الفرق البرلمانية، والأحزاب السياسية، والمركزيات النقابية، وهيئات المحامين، ومؤسسات الحكامة، في محاولة لفتح نقاش جاد قبل فوات الأوان.

إن حرية الإعلام واستقلاليته ليست مجرد شعارات، بل هي عماد المجتمع الديمقراطي ومفتاح التنمية الشاملة. لذا، أؤكد دعمي الكامل لكل المهنيين والهيئات الإعلامية، وأدعو كل من يؤمن بأهمية الإعلام الحر إلى المشاركة الفاعلة في الحراك الوطني الذي تقوده النقابات والهيئات المهنية، دفاعًا عن مكتسبات الإعلام واستقلاليته.

من خلال هذا المقال، أؤكد أن الدفاع عن حرية الصحافة وكرامة الإعلامي هو دفاع عن الديمقراطية وحقوق المواطنين في وطن يحترم التعبير ويصون الحق في المعلومة.

بقلم: المصطفى العياش، منتسب سابق للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بمؤسسة ماروك سوار
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة