انتخابات 2026 بين تجديد النخب وإعادة تشكيل المشهد السياسي

kapress30 يوليو 2025آخر تحديث :
انتخابات 2026 بين تجديد النخب وإعادة تشكيل المشهد السياسي

إعداد: المصطفى العياش فاعل سياسي ــ
سكرتير تحرير جريدة “كابريس”

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2026، وفي ظل ما حمله الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش من رسائل سياسية دقيقة، تطرح لحظة الاستحقاق المقبل نفسها كمنعطف حاسم في مسار تحديث الدولة وإعادة الاعتبار للسياسة.

جلالة الملك محمد السادس، وهو يتحدث جلالته عن ضرورة إعداد المنظومة الانتخابية بشكل مبكر قبل متم السنة الجارية، لم يقتصر على الجوانب التقنية والإجرائية، بل بعث برسائل ضمنية قوية إلى الطبقة السياسية، حين ربط بين التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية من جهة، وبين تحسن حياة المواطن وكرامته من جهة ثانية، مشددًا أن لا مكان لمغرب يسير بسرعتين.

ومن هنا تنطلق القراءة العميقة: هل تجديد النخب وحده كافٍ لمواجهة تحديات المرحلة؟ أم أن الضرورة اليوم أصبحت تقتضي تجديدًا هيكليًا للمشهد الحزبي برمّته؟

الواقع أن المشهد السياسي يعاني من حالة ركود، عنوانها الأبرز إعادة إنتاج نفس الأحزاب لنفس النخب، بنفس الخطاب، دون أن تواكب التحولات الاجتماعية والديمغرافية التي أشار إليها الخطاب الملكي. وإذا كانت الدولة تمضي في تنزيل مشاريع السيادة الاقتصادية والأمن المائي والتحول الطاقي، فإن السياسة مطالبة بالمثل: تجديد الخطاب، تحديث الهياكل، وإدماج طاقات جديدة.

من أزمة التمثيلية إلى إعادة إنتاج نفس الوجوه: سؤال الثقة قبل صندوق الاقتراع

من بين الملاحظات التي يرددها المهتمون بالشأن السياسي في مختلف أقاليم المملكة، أن معظم عمالات البلاد – منذ سنوات – تشهد نوعًا من “الجمود الانتخابي”، حيث تنجح نفس الوجوه في كل دورة انتخابية، بل أحيانًا بنفس الشعارات وبنفس الخطاب.

هذا التكرار لم يعد مجرد معطى تقني أو صدفة انتخابية، بل أصبح مصدر شك وتساؤل عميق لدى فئات واسعة من المواطنين الذين باتوا يرددون بمرارة: “علاش نصوتو؟ إذا كانت النتيجة معروفة سلفًا.”

هذه الأزمة ليست فقط أزمة تمثيلية، بل هي مؤشر على عطب بنيوي في المنظومة الحزبية والسياسية، يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي، ويحرم النخب الجديدة من فرص التنافس، ويفقد المواطن الإحساس بالأمل وبإمكانية التغيير.

وتزداد خطورة هذا الوضع عندما يتناقض كليًا مع ما ورد في الخطاب الملكي من دعوة إلى تعميم ثمار التنمية، والعدالة المجالية، والمقاربة المندمجة في التنمية، لأن هذه الأهداف لا يمكن بلوغها بنخب متكلسة، لا تمثل إلا ذاتها أو شبكاتها المحلية.

إن إعادة إنتاج نفس الوجوه، رغم فشلها في الترافع أو التأثير التشريعي أو الدفاع عن قضايا السكان، يفضح هشاشة آليات الوساطة السياسية، ويُظهر أن المال الانتخابي والنفوذ القبلي أو العائلي باتا في كثير من الأحيان أقوى من الكفاءة أو النزاهة.

وهنا تطرح انتخابات 2026 تحديًا سياسيًا غير مسبوق:
هل نحن مقبلون على لحظة إعادة تدوير المعتاد، أم أن البلاد تحتاج ــ كما جاء في خطاب العرش ــ إلى مقاربات جديدة، تتأسس على الكفاءة والفعالية، وليس على الأسماء التي تحترف “اللعب في المضمون”؟

قانون مرحلي لتحديد المسؤولية السياسية

وفي هذا السياق، يبرز اقتراح جريء للنقاش العمومي:
لماذا لا يتم التنصيص قانونًا على منع الترشح للبرلمان لمن قضى ولايتين متتاليتين دون تقييم حقيقي لأدائه؟
بهذا الإجراء، نضمن تجديدًا حقيقيًا للنخب، ونمنع التمركز السياسي الذي يحول الانتخابات إلى تداول شكلي داخل نفس الدوائر المغلقة.

لكن أعمق من هذا، يفرض خطاب الملك إعادة التفكير في دور بعض الأحزاب الكبرى التي هيمنت على الحياة السياسية دون أن تقدم الإضافة المرجوة. لقد آن الأوان لتجديد الأحزاب نفسها، أو على الأقل فسح المجال أمام قوى سياسية جديدة صاعدة، مرتبطة أكثر بتطلعات المواطن، ومتصلة بواقع الجهات، لا بمناورات المكاتب المركزية.

ولعل إحدى الرسائل القوية التي يبعثها الخطاب الملكي تتجلى في الدعوة إلى الانتقال من المقاربات التقليدية إلى التنمية المجالية المندمجة. وهذه المقاربة لا يمكن أن تجد طريقها إلى التنزيل، إلا عبر مؤسسات منتخبة فعالة، ونخب سياسية واعية، وأحزاب ذات رؤية مجتمعية شاملة، لا مجرد أدوات انتخابية.

إن انتخابات 2026 ليست مجرد موعد دوري لتجديد البرلمان، بل محطة لاختبار مدى قدرة النظام السياسي على تجديد ذاته من الداخل، دون الحاجة لاهتزازات أو صدمات. هي لحظة لاختيار مستقبل جديد، أو التمادي في إعادة تدوير نفس المعادلات الفاشلة.

فالمواطن اليوم، كما أشار الخطاب الملكي، يعيش تحولات عميقة في الوعي والمطالب والتطلعات. والمطلوب من النخب أن تكون في مستوى هذه المرحلة. وهذا لا يتأتى إلا عبر خطاب سياسي جديد، أحزاب مسؤولة، وتعاقد اجتماعي لا يُصاغ فقط في الوثائق، بل يُترجم إلى أثر ملموس في حياة المواطن.

بين الاستحقاق الديمقراطي وضرورة بعث الأمل السياسي

إن انتخابات 2026 تمثل أكثر من مجرد تمرين ديمقراطي روتيني؛ إنها امتحان نضج سياسي، وفرصة تاريخية لإعادة ربط الثقة بين المواطن ومؤسساته. وإذا كانت الدولة قد نجحت في تعزيز مكانة البلاد كقوة صاعدة اقتصاديًا وجيوسياسيًا، فإن التحدي اليوم هو بناء مشهد سياسي صاعد بمستوى الطموحات نفسها.

ولن يتحقق ذلك، كما بيّن جلالة الملك، إلا بإعادة توزيع ثمار التنمية بعدالة، وتجاوز مغرب السرعتين، وإعادة الاعتبار للجهات، ولكن أيضًا ــ وهذا هو الأهم ــ بضخ دماء جديدة في جسد السياسة، وتحطيم الحلقة المفرغة التي تُعيد نفس الأحزاب ونفس الوجوه إلى الواجهة.

إن المطلوب اليوم ليس فقط تجديد النخب، بل تجديد أدوات الاشتغال السياسي، وتجديد فكرة الحزب ذاته، وتحرير الفعل السياسي من القيود التقنية والتكتيكية، نحو أفق وطني جامع، يربط بين الديمقراطية والعدالة المجالية، وبين السياسة والمواطنة.

فكما جاء في الخطاب الملكي: “لا مكان لمغرب يسير بسرعتين.”
ولعل الترجمة السياسية لهذا القول، هي: لا مكان لنخبة تسير بسرعة المصالح، بينما الوطن ينتظر نخبًا تسير بسرعة الإصلاح.

ويبقى السؤال معلقًا على ضمير المرحلة:
هل نملك الجرأة لإحداث القطع مع دورة التكرار السياسي؟ أم أن الاستحقاق المقبل سيُعيد تدوير نفس المعادلات، ونفس الأسماء، ونفس الأسئلة القديمة؟

إن انتخابات 2026 ليست مجرد صناديق تُفتح وتُغلق، بل فرصة لتصحيح المسار، وتأكيد أن الديمقراطية الحقيقية تبدأ حين يشعر المواطن أن صوته يمكن أن يُحدث الفرق.

المصطفى العياش
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة