بقلم: المصطفى العياش
الزعيم العائد.. هل انتهت صلاحيته في مغرب جديد؟
منذ عودة عبد الإله بنكيران إلى قيادة “العدالة والتنمية” بعد الهزيمة في انتخابات 2021، بدأت الأسئلة تتوالى حول قدرة الرجل على التكيف مع التحولات السياسية في البلاد. هل هو قادر على إعادة الحزب إلى قوته، أم أن تجربته السياسية قد بلغت نهايتها، وهو الآن أسير أسلوبه القديم الذي لم يعد يتماشى مع مغرب اليوم؟
لقد كان بنكيران، في مرحلة سابقة، يمثل ظاهرة سياسية لا يمكن تجاهلها. كان زعيمًا يتغذى من حرارة الشارع، ويثير الجدل في كل مرة يظهر فيها على وسائل الإعلام. لكن الآن، ومع التغيرات السياسية الداخلية والخارجية، يبرز السؤال الحاسم: هل بنكيران هو الزعيم الذي يمكن أن يقود “العدالة والتنمية” إلى المستقبل، أم أن مغرب اليوم يحتاج إلى قيادة جديدة، أكثر انسجامًا مع التحولات؟
بين العثماني وبنكيران.. الحزب تائه بين خطابين
بين بنكيران وسعد الدين العثماني، الذي خلفه في رئاسة الحكومة، يظهر الفرق بوضوح. بنكيران كان خطيباً يثير الجدل، يعيش على الإثارة والصدام أحيانًا، لكنه لم يستطع أن يحوّل الحزب إلى قوة مؤسساتية مستقلة عن مزاجه الشخصي. الحزب اليوم عاجز عن تجديد نخبته، ويعيد تدوير نفس الأسماء. أما العثماني، وبرغم كل الانتقادات التي وُجهت له، فقد قاد مرحلة هادئة، متصالحة مع الدولة، وراكم خلالها الحزب مكاسب تنظيمية، وإن بدت باهتة في عيون قواعده.
كان العثماني رجل التوازن، الذي حافظ على وحدة الحزب في أصعب اللحظات. بينما كان بنكيران دائمًا متورطًا في معارك شخصية، يُصعّب عملية بناء حزب مؤسساتي وقوي. هل هذا هو الوقت الذي يجب فيه أن يعيد الحزب التفكير في قيادته؟ في ظل تراجع بنكيران، قد يصبح الحزب أكثر تشتتًا، ويفقد قدرته على التأثير في المشهد السياسي.
صقور الأمس يتساقطون.. والزعيم وحيد في الساحة
حتى صقور الحزب الذين كانوا بالأمس القريب يُشكّلون عمود ظهر بنكيران، انسحبوا الواحد تلو الآخر، بعدما ضاقوا ذرعًا بأسلوبه التصادمي. فمصطفى الرميد، وزير العدل والحريات السابق، ابتعد في صمت. ولحسن الداودي، وزير التعليم العالي ثم الوزير المكلف بالشؤون العامة، انسحب بعدما تحوّلت قيادة الحزب إلى ساحة للتراشق بدل البناء. ومحمد يتيم، وزير الشغل الأسبق، اختار هو الآخر التواري بعدما فقد ثقته في قدرة بنكيران على استرجاع المبادرة. وحتى إدريس الأزمي الإدريسي، عمدة فاس ورئيس المجلس الوطني للحزب، أشهر استقالته احتجاجًا على ما اعتبره انحرافًا عن خط الحزب الأصلي.
إلى جانبهم، غاب نجيب بوليف، الوزير المكلف بالنقل سابقًا، ومعه وزراء آخرون فضّلوا الصمت أو الانسحاب على الاستمرار في مهزلة الزعامة المُنهَكة. ما كانت هذه الانسحابات سوى تأكيد على أن بنكيران لم يعد قادرًا على جمع الصفوف داخل حزبه، بل أصبح عبئًا عليه.
من مواجهة الدولة إلى سبّ المغاربة.. زلات بنكيران تحرق رصيده
الأخطر من ذلك أن بنكيران، في خضم احتقانه، لم يتردد في نعت فئة من المغاربة بـ”الحمير” بسبب انتقاداتهم اللاذعة له، لا سيما أصحاب مقولة “قبل غزة خلّينا نحلّوا مشاكلنا الوطنية”. وهو التصريح الذي فجّر موجة من الغضب، وفضح حجم الهوة التي باتت تفصله عن الرأي العام. وفي فاتح ماي 2025، وجّه سهامه صوب النقابات الأكثر تمثيلية، من بينها الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، متهمًا إياها بالتحريض والتشويش، في الوقت الذي كانت فيه تدافع عن مطالب الشغيلة.
لم يعد بنكيران اليوم ذاك الزعيم الذي كان يتغذى من حرارة الشارع ويُلهب الساحات بالخُطب. فقد تحول من قائد حركة إلى شخصية مثيرة للجدل، تتنقل بين التصريحات المتهورة والهجوم على خصومه، بدلاً من العمل على بناء مشروع سياسي قادر على جمع المغاربة.
بين صراخ الزعيم وضياع الحزب.. هل يفلت “العدالة والتنمية” من قبضة بنكيران؟
ما كان يُعتقد أنه عودة منتصرة لبنكيران إلى قيادة “العدالة والتنمية”، أصبح اليوم يشكل أزمة داخلية غير مسبوقة. فبينما يتوارى صقور الحزب، وتفقد قواعده بوصلتها، يبقى بنكيران أسير أسلوبه القديم، غير قادر على الانسجام مع مغرب تغيّر واختار أن يمضي بعيدًا عن صراخ الشعارات الجوفاء. قد يكون الوقت قد حان لتفكير عميق داخل “العدالة والتنمية” بشأن مستقبله السياسي: إما القطع مع الأسلوب القديم أو الاستمرار في التراجع.
يبدو أن “العدالة والتنمية” يقف أمام مفترق طرق. فبين زعيم يصر على البقاء في المشهد، وحزب يعاني من الفراغ القيادي، يظل السؤال قائمًا: هل سيتدارك الحزب الوضع قبل أن يصبح جزءًا من الماضي السياسي؟