بعد الضربة الأميركية لإيران…من يملك القرار في الحرب؟ ومن يدفع الثمن في الصمت؟

kapress22 يونيو 2025آخر تحديث :
بعد الضربة الأميركية لإيران…من يملك القرار في الحرب؟ ومن يدفع الثمن في الصمت؟

من إعداد: العياش المصطفى ــ خالد بدري

في فجر 22 يونيو 2025، انطلقت ثلاث طائرات استراتيجية من طراز B-2 “سبيريت” من قاعدة ويتمن الجوية بولاية ميزوري الأميركية، في واحدة من أكثر العمليات الجوية دقة وتعقيدًا خلال العقد الأخير.
حلّقت الطائرات في مسار جوي طويل، بدعم من عمليات تزويد بالوقود في الجو، وعبرت أجواء دولية ومسارات محايدة بتنسيق استخباراتي عالي، قبل أن تنفّذ ضربات مركزة استهدفت منشآت نووية إيرانية شديدة التحصين: منشأة فوردو داخل الجبل، منشأة ناتنز، ومفاعل أصفهان للماء الثقيل.
العملية لم تكن فقط عسكرية؛ بل رسالة سياسية واستراتيجية أعادت ضبط موازين الردع، وفتحت أبواب أسئلة صعبة على مختلف العواصم الإقليمية.

الرسائل الإقليمية والدولية: أبعد من إيران

الضربة الأميركية وجّهت رسائل مزدوجة، بدقة عسكرية وبُعد استراتيجي:

1 ــ لإيران: مفادها أن تطوير القدرات النووية سيواجه بردّ مباشر، وأن التهديدات العابرة للحدود لم تعد مقبولة.

2 ــ لدول الخليج والشرق الأوسط: لا مجال للمناورة خارج المظلة الأميركية، ولا حياد في منطقة أصبحت رهينة لمعادلات دقيقة.

3 ــ لإسرائيل: أن أمنها ليس وحيدًا على الطاولة، وأن أميركا تحتفظ بخيوط القرار.

4 ــ للرأي العام العالمي: أن القوة الصامتة لا تزال فاعلة، وأن الدبلوماسية الموازية للسلاح عادت لواجهة المشهد.

5 ــ للوكلاء والميليشيات الإقليمية: أن أي تحرك مباشر أو غير مباشر قد يعرّضهم لعقوبات أو استهدافات محددة، دون الحاجة لحرب شاملة.


تحيين المعادلة الإقليمية: كيف ستوظف أمريكا دول المنطقة؟

تسير الولايات المتحدة بخطى ثابتة نحو إعادة توزيع الأدوار في الشرق الأوسط بعد ضرب إيران، بتركيز واضح على الخليج كقاعدة أمامية لمشروع الردع الجديد:

السعودية تتصدر هذا التحول، بدورها القيادي في التنسيق السياسي والعسكري. تُعزز موقعها كعمق استراتيجي بري، وتستثمر ثقلها الديني والدبلوماسي في احتواء التصعيد وقيادة الاستقرار.

الإمارات تتحول إلى منصة متقدمة للتكنولوجيا الدفاعية والتعاون الاستخباراتي، مع بنى تحتية تحتضن الوجود الأميركي وتدعم الانتشار السريع وقت الأزمات.

قطر، رغم علاقاتها السابقة بجماعات مثل الإخوان المسلمين، تبدو اليوم أكثر انضباطًا في موقعها، بعد أن تقلّص هامش مناورتها السياسية، خصوصًا في ظل الضربات الأخيرة التي فرضت على الجميع التموقع ضمن سقف التحالف الأمني الغربي.

البحرين، باستضافتها للأسطول الخامس، تمثل رأس الحربة البحرية في الخليج، وتلعب دورًا حاسمًا في مراقبة مضيق هرمز وصدّ أي تحرك عسكري مضاد من الجانب الإيراني.

الكويت تحافظ على موقعها كلاعب توازني، لكن بدور لوجستي متقدم، حيث تحتضن قواعد وخزانات احتياطية ومقار تنسيق عسكري، ما يجعلها عنصر دعم استراتيجي عند الحاجة.

سلطنة عمان، بسياساتها الهادئة، توفر ممرًا آمنًا خلفيًا للحركة العسكرية والاستخباراتية الأميركية نحو بحر العرب وخليج عمان، وتبقى واحدة من ركائز الاستقرار الصامت في المنطقة.

القوى الإقليمية الأخرى: أدوار متعددة في معادلة متشابكة

العراق، رغم هشاشته الداخلية، يشكل تقاطعًا حادًا بين النفوذين الإيراني والأميركي، وتسعى واشنطن إلى تحصينه كمنطقة عازلة دون استفزاز مباشر.

لبنان وسوريا، ساحات مفتوحة لتجاذب الوكلاء، خصوصًا في ظل تصاعد نشاط حزب الله ومخاوف من امتداد العمليات. وهنا تلعب الضغوط المالية والاستخباراتية دورًا محوريًا.

تركيا تحتفظ بموقعها المزدوج بين الأطلسي وروسيا، مما يجعلها لاعبًا استثنائيًا في إدارة التوازن الإقليمي، خصوصًا في شمال سوريا وشرق المتوسط.

مصر والأردن يواصلان دورهما الثابت في التنسيق الأمني، ويشكلان جدارًا سياسيًا واقيًا ضد أي تمدد للفوضى أو تصدّع للاستقرار.

الشعوب والهتاف: التعبير المشروع… والضرورة الاستراتيجية

وسط هذا الصراع المعقد والدقيق، من الطبيعي أن تخرج الشعوب لتعبّر عن مواقفها وتطالب بالتغيير.
لكن الواقع العسكري والسياسي يُبيّن أن التحديات الأمنية لا تُحلّ بالشعارات أو المسيرات فقط.
في هذه المعادلة، الحكمة تقتضي التوازن بين التعبير الشعبي والقرارات الاستراتيجية المدروسة،
لأن الردع والحماية لا يُبنيان بالشعور الآني، بل بخطط محكمة ومعلومات دقيقة، وبقرارات تُتخذ في صمت وبُعد نظر.
فمن يصرخ اليوم، قد لا يملك غدًا ما يدافع به عن صوته، أما من يخطط بهدوء، فهو من يصنع التاريخ ويحمي الاستقرار.

من يخطئ في الحساب… يخسر مرتين

الصراع لم يعد مجرد تفوق عسكري، بل أصبح معركة في الهندسة الاستراتيجية.
من يملك المعلومة، يملك القرار. ومن يتحكم في التوقيت، يتحكم في المصير.
أما من يخطئ في الحساب… فإنه يخسر مرتين: مرة أمام خصمه، ومرة أمام شعبه.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة