بقلم: المصطفى العياش
شكاية قضائية تفتح النار على بنكيران وتتهمه بالإساءة لكرامة المغاربة
في خطوة لافتة، وضع ممثلو حزب “نستطيع”، قيد التأسيس، شكاية لدى النيابة العامة بالرباط ضد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، بعد أن وصف منتقديه بعبارات قدحية خلال احتفالات فاتح ماي الأخيرة. الشكاية، المسجلة تحت رقم 2025/30101، اعتبرت أن بنكيران أهان شريحة واسعة من المغاربة وخرق المادة 25 من الدستور، إضافة إلى خرقه للفصول 442 و443 و444 من القانون الجنائي، التي تجرم القذف والسب العلني.
وبحسب أصحاب الشكاية، فإن الأمر “يتنافى مع أخلاقيات الخطاب السياسي” ويشكل “إساءة مباشرة لكرامة المواطنين”، مطالبين بفتح تحقيق قضائي وترتيب الآثار القانونية على هذا التصرف الذي وصفوه بغير المقبول.
من “البيجيدي” إلى المشهد العام: أزمة أعمق من تصريح
ورغم أن التصريح الأخير لبنكيران فجّر موجة استنكار واسعة، إلا أن المراقبين يرون أن المشكل أعمق من مجرد خطاب زعيم حزب، بل يعكس انزلاقاً عاماً في المشهد السياسي، حيث باتت الملاسنات والعبارات السوقية تطغى على النقاش العمومي. ولم يسلم أي طيف حزبي من هذه الظاهرة، التي صارت تهدد ما تبقى من مصداقية العمل السياسي أمام الرأي العام، في زمن ينتظر فيه المواطن خطاباً يرقى إلى مستوى تطلعاته وهمومه.
وسائط التواصل تُشهر البطاقة الحمراء
ردود الفعل الغاضبة لم تقتصر على الفضاء القانوني، بل امتدت لتملأ منصات التواصل الاجتماعي، حيث تداول النشطاء مقاطع الفيديو وتصريحات بنكيران مرفقة بوسوم غاضبة تطالب باعتذار صريح، بل وبوضع حد لما سموه “التطبيع مع الإساءة في الخطاب السياسي”.
وسجلت تعليقات عديدة أن “زمن القدوة السياسية” بدأ يتآكل، في وقت تعيش فيه البلاد مرحلة دقيقة تستدعي رص الصفوف ورفع مستوى الخطاب بما يليق بكرامة المواطن وانتظاراته.
هل آن أوان ميثاق للأخلاقيات السياسية؟
هذا الجدل يعيد إلى الواجهة مطلباً قديماً-جديداً تبنته فئات واسعة من المثقفين والسياسيين، وهو الدعوة إلى اعتماد ميثاق وطني لأخلاقيات الخطاب السياسي، يُلزم الفاعلين الحزبيين بقواعد الاحترام المتبادل ويحمي كرامة المواطن من الإساءة، سواء في اللقاءات الحزبية أو الفضاءات الرقمية.
فهل تكون هذه الأزمة مناسبة لإطلاق هذا الورش الضروري قبل الاستحقاقات المقبلة، أم أن الانزلاقات ستظل سيدة الموقف في مشهد سياسي مأزوم؟
القانون بين حرية التعبير وحدود الإهانة
من زاوية قانونية، يرى بعض المتابعين أن تصريحات من هذا القبيل قد تندرج، حسب الظروف والسياق، ضمن الأفعال المجرّمة، خاصة إذا ما اعتُبرت إساءة جماعية لشرائح من المواطنين. وفي هذا الإطار، تشير الشكاية إلى الفصول 442 و443 و444 من القانون الجنائي، التي تجرم القذف والسب العلني.
ومع ذلك، يظل الخيط رفيعاً بين ما يُعتبر حرية تعبير وبين ما يتحول إلى مساس بكرامة الناس.
وحينما تجرّ العبارات السياسية أصحابها إلى المحاكم، يصبح النقاش أكثر من مجرد خلاف عابر، ليطرح بإلحاح أسئلة جوهرية حول حدود الخطاب السياسي والمسؤولية الأخلاقية لزعماء الأحزاب.
الرؤية الملكية وسؤال تخليق الحياة السياسية
ولا يفوت المتتبعون التذكير بأن الخطابات الملكية ما فتئت تؤكد على ضرورة تخليق الحياة السياسية والارتقاء بأسلوب الخطاب، في إشارة واضحة إلى أن العمل السياسي ليس مجرد صراع مواقع، بل مسؤولية وطنية تقتضي سلوكاً يليق بكرامة المواطن وبمستقبل البلاد.
خلاف في البرلمان: هل الأزمة السياسية أصبحت سلوكاً عاماً؟
في خطوة تزامنت مع تلك التطورات في الخطاب السياسي، وقع داخل البرلمان يوم الإثنين 5 ماي 2025 خلاف بين رئيس الجلسة، محمد أوزين، ونائبين من فريق حزب الاستقلال. أوزين طلب إحالة النائبين علال العمروي والعياشي الفرفار على لجنة الأخلاقيات، بعد أن تسببا في تعطيل الجلسة لمدة نصف ساعة بسبب الخروقات المتعلقة بنظام الجلسة.
وأشار أوزين في مراسلته إلى أن النائب العمروي تدخل خارج إطار المادة 162 للنظام الداخلي، وهو ما دفعه إلى تنبيهه. وبالرغم من هذا التنبيه، واصل العمروي احتجاجه، مما أجج الموقف، ورفع من حدة التوتر في القاعة. وفيما يتعلق بالنائب العياشي الفرفار، فقد تحدث دون إذن من الرئيس وقام بحركة غير لائقة أثناء تذكيره بالخروقات.
هذا الحادث أضاف بعداً جديداً للأزمة التي تشهدها الحياة السياسية في البلاد، حيث أصبح من الواضح أن الخطابات الحادة والسلوكيات المشينة باتت شائعة في المؤسسات السياسية، وهو ما يجعل مطلب تخليق الحياة البرلمانية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
خلاصات مفتوحة على نقاش عمومي واسع
ما بين الشكاية القضائية، والغضب الرقمي، والدعوات الإصلاحية، يجد المشهد السياسي نفسه اليوم أمام مرآة صادمة: هل يستفيق الفاعلون ويعيدون الاعتبار للكلمة والمسؤولية؟ أم سنواصل الانحدار نحو مزيد من التشنج والتراشق، في زمن يتطلع فيه المواطنون إلى نخب تؤمن بالحوار وترتقي بالنقاش إلى مستوى القضايا الوطنية الكبرى؟