المصطفى العياش / “كابربس”
في سياق دبلوماسي حافل بالتحولات الجيوسياسية التي تشهدها الساحة الدولية، أجرى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، يوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 بالعاصمة الأمريكية واشنطن، مباحثات رفيعة المستوى مع مايك والتز، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
اللقاء الذي جمع بوريطة بأحد أبرز صقور الإدارة الأمريكية الجديدة، لم يكن مجرد بروتوكول دبلوماسي عابر، بل شكل مناسبة لإعادة تأكيد متانة العلاقات المغربية الأمريكية، والتأكيد على الرغبة المشتركة في الدفع بالشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد إلى آفاق أرحب، تشمل الأمن والدفاع والاقتصاد، فضلاً عن التعاون الإقليمي في ملفات شائكة وذات طابع حساس.
المباحثات، حسب مصادر دبلوماسية مطلعة، عكست مستوى عالٍ من الثقة السياسية التي باتت تميز العلاقات الثنائية بين الرباط وواشنطن، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه في نهاية الولاية الأولى للرئيس ترامب. ويبدو أن الإدارة الجديدة، العائدة إلى البيت الأبيض على إيقاع خطاب حازم ومصالح واضحة، تنظر إلى المغرب كحليف موثوق في منطقة تعاني من تجاذبات أمنية واختراقات لقوى إقليمية ودولية.
من جانبه، حرص بوريطة، الذي بات يمثل أحد أعمدة السياسة الخارجية المغربية، على إبراز الدور الذي يضطلع به المغرب بقيادة الملك محمد السادس في تعزيز الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، وكذا جهوده في محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية، إضافة إلى التزامه المستمر في قضايا التنمية والديمقراطية بالقارة الإفريقية.
الملفات الإقليمية على الطاولة
لم تغب عن اللقاء القضايا الإقليمية الساخنة، وعلى رأسها تطورات الوضع في منطقة الساحل، والأزمة الليبية، وتداعيات الصراع في الشرق الأوسط، حيث أكد الطرفان على أهمية التنسيق المشترك وتبادل المعلومات لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن المغرب بات يشكل بوابة استراتيجية للولايات المتحدة نحو القارة الإفريقية، خاصة في ظل تراجع نفوذ بعض القوى التقليدية وصعود قوى منافسة تسعى لإعادة رسم خرائط النفوذ، وهو ما يجعل من الرباط شريكاً لا غنى عنه في معادلة التوازن الإقليمي.
لقاء بوريطة ـ والتز يعكس أيضاً أسلوباً دبلوماسياً مغربياً قائماً على الواقعية والبراغماتية، فالمغرب، ومنذ سنوات، تبنّى نهجاً قائماً على تنويع شراكاته الاستراتيجية، دون الارتهان لمحاور محددة. فبينما يعزز علاقاته مع واشنطن، لا يتردد في بناء قنوات تواصل فعالة مع بكين وموسكو، كما يواصل دوره النشط في الاتحاد الإفريقي.
رسائل سياسية إلى الداخل والخارج
الزيارة تحمل كذلك رسائل مزدوجة: داخلية، تؤكد للمغاربة بأن دبلوماسية المملكة قادرة على الحفاظ على مصالح البلاد في محيط دولي مضطرب؛ وخارجية، تفيد بأن المغرب لاعب إقليمي يحظى باعتراف القوى الكبرى، ويملك رؤية متماسكة لتدبير علاقاته الخارجية بما يخدم استقراره ونموه.