تارودانت: تاريخ عريق في مواجهة الإهمال والجمود

kapress12 مايو 2025آخر تحديث :
تارودانت: تاريخ عريق في مواجهة الإهمال والجمود

من إعداد فريق “كابريس”

مدينة تارودانت، التي لطالما اعتُبرت جوهرة سوس وحاضرة تاريخية بامتياز، تعيش اليوم على وقع الإهمال والتهميش. فمن كان يزور هذه المدينة في عقود خلت، ويتجول بين أسوارها العتيقة وأسواقها الشعبية، يندهش اليوم من حجم التراجع والترييف الذي أصاب بنيتها.

مدينة ضاربة في التاريخ.. بلا حاضر يليق بها


مدخل المدينة، الذي يُفترض أن يكون بوابة مشرقة على تاريخ يمتد لقرون، يبدو في حالة لا تليق بمقام تارودانت ولا بمكانتها الرمزية. أسوار مشققة، أرصفة مهملة، ولوحات توجيهية باهتة، وكأن المدينة توقفت بها عقارب الساعة. ولا حديث هنا عن مشاريع حضرية كبرى، أو تجديد في الفضاء العام، بل عن مدينة تتآكل بنيتها ببطء، أمام أعين ساكنتها وزوارها القلائل.

المحطة الطرقية لتارودانت

مجلس الإقليم.. صمت مُريب أمام الأسئلة

رغم مراسلات عديدة، من صحفيين ومنابر إعلامية، للمجلس الإقليمي لتارودانت من أجل تقديم حصيلة عمله، ظل الصمت هو الجواب الوحيد. وهي إشارة تترجم شعورًا عامًا لدى الساكنة بأن ممثليهم المنتخبين لا يُصغون، ولا يتفاعلون مع نبض الشارع المحلي، الذي يئن تحت وطأة الهشاشة.
المجلس الإقليمي، الذي يُفترض أن يكون رافعة للتنمية المندمجة، يبدو وكأنه غائب عن الصورة، أو غير معني بوضع المدينة، التي تئن تحت ضعف البنيات الطرقية، وهشاشة المرافق الاجتماعية، وانعدام الفضاءات الرياضية والتقافية. وإلى حدود اليوم، لا توجد مؤشرات على وجود خارطة طريق واضحة للنهوض بتارودانت، ولا حتى برامج استعجالية تلتقط إشارات الاستياء الشعبي.

رئيس و نواب المجلس الإقليمي لتارودانت

دينامية اقتصادية وطنية.. وتارودانت خارج الحسابات

بينما تعرف جل المدن المغربية ديناميات اقتصادية وتجارية وسياحية غير مسبوقة، ظلت تارودانت وكأنها خارج هذا الحراك الوطني. فبينما يتم الإعلان عن مشاريع ضخمة في أكادير، والعيون، ومراكش، وحتى المدن الصاعدة كتزنيت وكلميم، تواصل تارودانت سباتها، بلا أوراش كبرى، ولا استثمارات تُحدث الفارق.
المدينة التي كانت في الماضي مركز إشعاع تجاري وفلاحي، تراجعت اليوم إلى هامش الجغرافيا الاقتصادية، مما زاد من نزيف الهجرة نحو المدن الكبرى، وساهم في تأزيم الوضع الاجتماعي المحلي. فلا سياحة ثقافية مهيكلة، ولا مناطق صناعية تخلق فرص الشغل، ولا موانئ قريبة تُعيد إدماج المدينة في سلاسل الاقتصاد الوطني، وكأن تارودانت حُكم عليها بالانتظار الأبدي.

شبح البطالة ينخر جسد شباب المدينة

ملاعب القرب.. مطلب مستعجل لشباب المدينة

من أبرز ما يُؤلم شباب تارودانت، هو شبه انعدام ملاعب القرب، التي باتت اليوم في مدن المملكة فضاءات حيوية للاحتضان والتأطير. في حين أن المدن الأخرى تشهد إقبالًا كبيرًا على هذه الملاعب، التي تُعد صمامات أمان اجتماعية، يجد شباب تارودانت أنفسهم محاصرين بالفراغ، وبغياب البدائل، ما يفتح الباب أمام مظاهر الانحراف والهشاشة.
لقد أصبح مشهد شباب الأحياء وهم يبحثون عن “رقعة أرضية” ليمارسوا رياضتهم، صورة مأساوية تختصر واقع المدينة. فحتى المبادرات الفردية، التي حاولت خلق ملاعب صغيرة، تصطدم بغياب الدعم والتأطير المؤسساتي. الأمر الذي يجعل مطلب بناء ملاعب القرب أولوية مستعجلة، لا تقل أهمية عن باقي أوراش التنمية، بل قد تكون مدخلاً لإعادة الأمل لفئة واسعة تعيش على الهامش.

قلة ملاعب القرب و ضعف تهيئتها بتارودانت

ملتمس إلى السيد العامل

إن مدينة تارودانت، بأصالتها وتاريخها العريق، تستحق أن تسهم في معركة التنمية الوطنية وأن تكون جزءًا من ديناميكيات الاقتصاد المحلي. لذلك، نرفع هذا النداء إلى السيد عامل الإقليم من أجل العمل على وضع خطة إنقاذ شاملة للمدينة، تستجيب لاحتياجات الساكنة وتعزز مكانتها التاريخية والثقافية.
إن من شأن إطلاق مشاريع كبرى في مجالات السياحة، والبنية التحتية، والتشغيل، وكذلك توفير المرافق الأساسية مثل الملاعب الرياضية، أن يعيد الحياة إلى تارودانت ويجعلها في قلب المشاريع التنموية الكبرى للمملكة.

السيد مبروك تابت / عامل ثاحب الجلالة على اقليم تارودانت

خاتمة:

إن تارودانت، المدينة التي تنبض بتاريخها وعراقتها، تستحق أن تُمنح فرصة ثانية لاستعادة مكانتها المرموقة. ولا يمكن لهذه الفرصة أن تتحقق إلا إذا تم تفعيل إرادة سياسية حقيقية ومبادرات عملية للانتقال من حالة الإهمال إلى مرحلة التنمية الفعلية.
تارودانت ليست مجرد مدينة ضاربة في التاريخ، بل هي مدينة يجب أن تُحتضن اليوم من قبل كل معني بشؤون التنمية المجتمعية والمستقبل الزاهر.

“كابريس” استمرار في متابعة تطورات المدينة والعمل على إبرازها في تقارير ميدانية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة