رغم الكثافة السكانية التي يعرفها دوار بوخشبة، التابع إداريًا لجماعة الكدية البيضاء، بقيادة أولاد محلة، دائرة أولاد تايمة، إقليم تارودانت، إلا أنه ما زال يعاني في صمت مرير من غياب وسائل النقل العمومي، في مفارقة صادمة تتقاطع فيها المسؤولية بالموقع الجغرافي، إذ أن رئيس الجماعة ذاته ينحدر من هذا الدوار، ويعرف تمام المعرفة حجم المعاناة اليومية التي يرزح تحتها السكان.
هذا الواقع القاسي، الذي تعكسه شهادات مواطنين وفاعلين محليين، يبرز إحدى أوجه العطب التنموي، حيث تحولت الحاجة البسيطة للتنقل إلى معاناة مركبة، تطال النساء، الأطفال، التلاميذ، والمرضى، الذين يُجبرون يوميًا على قطع كيلومترات مشيًا على الأقدام للوصول إلى أبسط الخدمات الأساسية، من تعليم وصحة وإدارة.
وتؤكد المعطيات أن دوار بوحشبة لا يعاني من قلة السكان أو من ضعف التمثيلية، بل العكس تمامًا، إذ يُعد من أكبر الدواوير داخل جماعة الكدية البيضاء من حيث عدد الساكنة، ومع ذلك لم يحظَ بأي التفاتة فعلية من طرف المجلس الجماعي أو الجهات المسؤولة، ما يطرح تساؤلات حارقة حول أسباب هذا التجاهل.
وفي ظل غياب النقل العمومي، كانت بعض الجمعيات المحلية قد حاولت إطلاق مبادرات بديلة في شكل نقل تضامني، لكنها توقفت بسبب مشاكل داخلية، زادت من تأزيم الوضع وربطت الساكنة بمصير مفتوح على الانتظار الطويل.
وإذا كان النموذج التنموي الجديد، كما أراده جلالة الملك محمد السادس نصره الله، يؤمن بعدالة التوزيع الترابي للثروة والخدمات، فإن حالة دوار بوحشبة تضع هذا التصور أمام تحدٍّ واقعي يختبر مدى التزام الجماعات الترابية بمهامها الأساسية.
إن الآمال اليوم معلقة على تدخل عامل الإقليم، السيد مبارك تابت، المعروف بإنصاته لهموم المواطنين، لتفعيل مقاربة ميدانية كفيلة بإخراج دوار بوحشبة من حالة العزلة، في أفق إدراجه ضمن برامج فك العزلة والنقل القروي، سواء عبر المجلس الإقليمي أو ضمن شراكة مهيكلة مع الجماعة الترابية التي يترأسها أحد أبنائه.
دوار بوحشبة لا يطلب المستحيل. فقط يريد أن يعيش بكرامة، وأن ينتقل أطفاله إلى مدارسهم في أمان، وأن تصل النساء الحوامل إلى المستشفى دون مخاطرة، وأن تُمحى من ذاكرته صور الإهمال التي راكمها لسنوات.