تهنئة من القلب لجريدة “العمق المغربي”… واعتراف لمسار عمر في محراب صاحبة الجلالة

kapress8 أبريل 2025آخر تحديث :
تهنئة من القلب لجريدة “العمق المغربي”… واعتراف لمسار عمر في محراب صاحبة الجلالة

المصطفى العياش / “كابربس”

يسعدني، باسمي الخاص وباسم مسؤولي وطاقم جريدة “كابريس” الغراء، أن أبارك بحرارة للصديق والزميل العزيز محمد غروس، مدير نشر جريدة “العمق المغربي”، بمناسبة افتتاح المقر الجديد لهذه الجريدة التي فرضت نفسها كصوت وطني حر، ومصدر موثوق في زمن التشويش وتداخل الأجندات.

وإن كانت التهاني عادةً تُكتب بلغة المجاملة، فإنني اليوم أكتبها بلغة الذاكرة، ودفء التجربة، وصدق القلب. فأنا، المصطفى العياش، وبعد أربعين سنة من الحبر والتعب والعشق للكلمة، أعود اليوم إلى ذاتي الصحفية الأولى، لأقول: نعم، ما زلت أتنفس الصحافة، كما كنت أفعل منذ بداياتي بجريدة المحرر، ثم “الميثاق الوطني”، وبعدها “رسالة الأمة” ثم “الصحراء المغربية”.

سافرت بعد ذلك إلى قطر، حيث اشتغلت لمدة سنتين في مجلة العهد القطرية بالدوحة، التي كان يرأسها الإعلامي الكبير عبد الله يوسف الحسيني، وكنت مسؤولاً عن قسم التوضيب والإخراج، وهي مهنتي الأولى في الجرائد، قبل أن تناديني الكلمة.

في تلك الفترة، عشت لحظة فارقة أعتبرها وساماً لا يغادر صدري: ففي سياق سياسي حساس، استقبل الملك الحسن الثاني، رحمه الله، الوزير الإسرائيلي شمعون بيريز بمدينة إفران، بصفته رئيساً للجنة القدس. وهو ما أثار غضب القيادة الفلسطينية، ورد عليه ياسر عرفات باستقبال عبد العزيز المراكشي.

في خضم هذا التوتر، كتب مدير نشر مجلة “العهد القطرية”، الفلسطيني صالح زيتون، افتتاحية تطاول فيها على الملك، بل أنكر مغربية الصحراء بشكل فج. وحين طلب مني تصفيف المقال، رفضت، وقلت له بصريح العبارة: “لن أصفّف كلمة واحدة فيها إساءة إلى وطني وملكي”. فرد علي بازدراء: “أنت موظف صغير، لا حق لك في مناقشة الخط التحريري”.

فأجبته بكل ما أوتيت من كرامة: “قد أكون موظفاً صغيراً، لكن لي وطن… أما أنت، فمأساتك أنك بلا وطن”.

اشتد بيننا الشجار، وتعرضت لاعتداء منه ومن أشقائه، ولم أتراجع. حضرت المخابرات، ووصل عبد الله يوسف الحسيني، مدير عام مجلة العهد القطرية، بأمر من أمير قطر، واطّلع على الافتتاحية، فسبّ كاتبها ووقف إلى جانبي. ونتج عن ذلك لاحقاً فصل الفلسطيني من المجلة.

وبعد نحو ساعة، زارني القائم بالأعمال في سفارة دولة قطر ببيتي، وقال لي: “بأوامر عليا، توصلنا بكل ما وقع… كل ما تحتاجه فهو ملبّى”.

فقلت له، وللأمانة: “أنا لا أبيع موقفي، ولا أريد مقابلاً. ما قمت به هو دين في عنقي لوطني وملكي”.

عدت بعدها إلى المغرب، والتحقت بمؤسسة ماروك سوار، حيث اشتغلت بجريدة “الصحراء المغربية”، حتى بلوغي سن التقاعد، بعد مسيرة دامت 28 سنة.

أحكي هذه الواقعة، لا فخراً، بل لأقول لمن يغادرون المغرب ويبدؤون في الإساءة إليه من الخارج: ليس كل من غادر البلاد باعها. فالوطن يسكن القلب، لا المال.

في مساري، تقاطعت حياتي مع أسماء صنعت تاريخ الصحافة والفكر والسياسة:
عمر بنجلون، محمد اليازغي، محمد شوقي، صبري أحمد، محمد الصبار، أحمد المديني، شهاب، الجوهري، الجراري، بوشعيب الحراثي، فنجيرو، إدريس طرامباطي، مزراري، نعامي، خلدون، نجاة اشباري، نعينة شاكور، الغازي إدريس، والمرحومة نعيمة النوري، والصحفي المقتدر أستاذي الكبير سي الكنوني، رئيس تحرير “الصحراء المغربية”، وخدادي، وعزيز بثال، والقرشاوي، والصديق الباتولي وغيرهم الرحمة والغفران لمن غادروا الحياة والصحة والعافية للأحياء منهم.

كما اشتغلت مع عبد الله الفردوس بجريدة “رسالة الأمة”، ومحمد البريني بجريدة “المحرر”، الذي أسس جريدة الأحداث المغربية وكان مديرها العام. وعملت كذلك مع محمد الهيتمي، مدير عام مؤسسة ماروك سوار، في جريدة الصحراء المغربية. وكان له تأثير كبير في مسيرتي الصحفية، للأسف بشكل سلبي؟!، إذ كان آخر مدير عام اشتغلت معه قبل التقاعد، ولا يزال على رأس ماروك سوار، التي تصدر جريدتي “الصحراء المغربية” و”لوماتان” الناطقة بالفرنسية.

ومن الجدير بالذكر أنني ساهمت في إخراج العدد الأول من جريدة الصحراء المغربية، والتي كانت بداية مسيرة مهنية هامة في الإعلام المغربي.

ولا أنسى الصحفي الغيور أحمد بداح، رحمه الله، الذي ذهب لتغطية معرض دولي للسيارات بالجزائر سنة 2012 باسم الصحراء المغربية، ليُعثر عليه ميتاً في غرفته، في واقعة حزينة هزّت قلوبنا.

كما لا يغيب عن ذاكرتي رفيق الدرب محمد باهي، الذي تقاسمت معه صفحات رسالة الأمة، قبل أن يُختطف عشر سنوات ظلماً في سجون الجزائر.

كنت آخر من ودّعه ليلة سفره داخل مقر الجريدة. جلسنا لساعة وربع دون أن ينطق، فقط يرمقني بنظرات عميقة. في الغد لم يأتِ، وبعد أيام شاع خبر اعتقاله بتهمة ملفقة.

ولما عادرحمه الله، والتقينا بفندق حسان في الرباط، سألته عن تلك النظرات، فقال لي:

“كنت أعرف فيك الوطنيةوالشجاعة، وكنت أفكر أن أصحبك معي، وأصارحك بما في قلبي… ثم تراجعت”.

أشعر اليوم بسعادة غامرة، وأنا أرى زميلاً مثل محمد غروس يفتتح مقراً جديداً لجريدة رائدة. وأقولها بكل صدق: أتمنى أن ترتقي جريدة “كابريس”، التي أساهم فيها، إلى مستوى جريدة العمق المغربي، من حيث المهنية، والجرأة، والتأثير.

وأنا أكتب هذه الكلمات، أترحم على أمي وأبي، الحاج العياش إبراهيم، أيقونة الإعلام المغربي، وأستاذي الأول في أبجديات الصحافة المكتوبة، الذي كان من بين الأوائل الذين اشتغلوا في طبع جريدتي فلسطين والمحرر.

كما أوجّه رسالة محبة وامتنان إلى عائلتي الكريمة، التي كانت دعمي وسندي طوال مسيرتي المهنية، وإلى زوجتي وأبنائي وكل من عاشرتهم ورافقوني في درب هذه المهنة المتعبة النبيلة. أقول لهم:
الصحافة ليست فقط حرفة، بل التزام ومسؤولية، وأداة لتغيير المجتمع نحو الأفضل.

قد ترون في هذا المقال جزءاً من رحلتي، لكن الحقيقة أن المسار الصحفي الحقيقي هو ذاك الذي يمتد في خدمة الحقيقة ومصلحة الوطن، مهما كانت التحديات.

مبروك لجريدة “العمق المغربي”… ومبروك للصحافة الحرة.
وكل الوفاء لرفاق درب علّموني أن الحبر لا يكون نبيلاً إلا إذا كُتب به من أجل الوطن.

وفي الختام، أتوجّه، بكل خشوع وإخلاص، إلى مقام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده، بطلب نظرة مولوية رحيمة، وعملية إنسانية من يديه الكريمتين، تضمن لأبنائي مستقبلاً أفضل، وتكون عربون وفاء لعطاء أبٍ أفنى عمره في خدمة الصحافة الوطنية، والدفاع عن ثوابت المملكة.
فذاك حلم أب، ليسلكوا درب الكرامة والعمل، كما سعيت له طوال حياتي.

المصطفى العياش/صحفي بجريدة “كابريس”


اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة