متابعة: المصطفى العياش
في لحظة سياسية ذات رمزية إفريقية ودبلوماسية عالية، استقبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، يوم الاثنين 28 أبريل 2025 بالقصر الملكي العامر بالرباط، وزراء الشؤون الخارجية للبلدان الثلاثة الأعضاء في تحالف دول الساحل، ويتعلق الأمر بكل من السيد كاراموكو جون ماري تراوري، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإقليمي والبوركينابيين في الخارج لبوركينا فاسو، والسيد عبد الله ديوب، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي لجمهورية مالي، ثم السيد باكاري ياوو سانغاري، وزير الشؤون الخارجية والتعاون والنيجريين في الخارج لجمهورية النيجر.
هذا الاستقبال الملكي السامي، الذي يأتي في سياق إقليمي دقيق، لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل كان لحظة تأكيد استراتيجية لرؤية ملكية متواصلة تؤمن بأن قارة إفريقيا ليست فقط فضاءً للانتماء التاريخي والجغرافي، بل مجال أولوي لعمل ميداني دبلوماسي وإنساني وتنموي، يستند إلى منطق الشراكة لا الوصاية، وإلى مقاربة النفع المتبادل بدل الإملاءات.
لقد شكل هذا اللقاء مناسبة سانحة لتجديد الروابط العريقة والمتينة التي تجمع المملكة المغربية بهذه الدول الشقيقة، والتي بُنيت منذ عقود على أسس من الصداقة الصادقة، والاحترام المتبادل، والتضامن الميداني، والتعاون الملموس في مجالات عدة. وهو ما يعكس البعد الإفريقي الذي لا تنفصم عُراه من الرؤية الملكية لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله، والتي ما فتئت تتجسد في مبادرات متتالية تضع الإنسان الإفريقي في قلب السياسات التنموية.
وخلال الاستقبال الملكي، عبّر وزراء خارجية التحالف الثلاثي عن امتنان رؤساء بلدانهم لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لما يوليه من اهتمام دائم ومستمر بمنطقة الساحل، وما يُبادر إليه من خطوات داعمة للاستقرار والتنمية، في وقت تمر فيه دول المنطقة بتحولات صعبة وتحديات أمنية ومناخية وتنموية جسيمة.
وكان لافتاً في هذا السياق، تثمينهم الخاص لمبادرة جلالة الملك بتمكين بلدان الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، باعتبارها مبادرة غير مسبوقة تحمل في طياتها أفقاً جديداً للاندماج الإفريقي جنوب-جنوب، وتفتح آفاقاً اقتصادية واستراتيجية لهذه الدول الحبيسة، عبر توفير ممرات سيادية نحو البحر، بما يعزز من استقلالها الاقتصادي وخياراتها السيادية.
وفي هذا الإطار، جدد الوزراء التزامهم الكامل بانخراط دولهم في تنفيذ هذه المبادرة الرائدة، منوهين بما تحمله من رؤية عميقة تتجاوز منطق المبادرات الظرفية، إلى أفق استراتيجي ينظر إلى القارة كجسد موحد ومصير مشترك.
كما قدموا لجلالة الملك عرضاً حول مسار التحالف الثلاثي، الذي أُسّس كإطار للتنسيق والاندماج بين الدول الثلاث، وأبرزوا الخطوات العملية الجارية على مستوى البناء المؤسسي والتشبيك القطاعي، وذلك بهدف خلق تكتل إفريقي قادر على تأمين استقراره الذاتي، وتثبيت دعائم تنميته الداخلية، خارج منطق التبعية والارتهان للخارج.
اللقاء الملكي، بحمولته الرمزية والسياسية، أعاد التأكيد على أن المغرب، تحت القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، يظل وفياً لثوابته الإفريقية، ومؤمناً بأن أمن واستقرار وتنمية القارة لا يمكن أن تُبنى إلا من داخل القارة نفسها، بتعاون قُطري حقيقي وشراكات متوازنة، يكون فيها المغرب كما كان دوماً، فاعلاً داعماً لا مُملياً، ومبادرًا لا متفرجًا.
هكذا تتجدد التزامات المغرب الإفريقية من أعلى هرم الدولة، وتُترجم الرؤية الملكية إلى واقع ملموس، في وقت تحتاج فيه إفريقيا أكثر من أي وقت مضى، إلى أصوات عاقلة، وقيادات مستنيرة، تعيد للسياسة معناها النبيل، وللتضامن بُعده الإنساني الأصيل.