حرمة الكلية لا تهتز بخطيئة فرد والجامعة تظل شامخة

kapress20 مايو 2025آخر تحديث :
حرمة الكلية لا تهتز بخطيئة فرد والجامعة تظل شامخة

المصطفى العياش ــ خالد بدري/كابريس

عرفت كلية الحقوق التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير متابعة أستاذ جامعي يُدعى أحمد قيلش، في حالة اعتقال، بأمر من قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، على خلفية تحقيقات تتعلق بشبهات الفساد المرتبطة بما يُعرف بملفات «المال مقابل الشواهد والدبلومات».

هذا المستجد أعاد إلى الواجهة واقعة تعود لسنة 2013، حين وُجهت أولى الاتهامات الخطيرة للأستاذ نفسه، آنذاك بكلية آسفي، بخصوص التحرش بطالبات واستغلال النفوذ داخل المؤسسة. إحدى الطالبات، تدعى «أسماء»، صدحت حينها بشهادتها المؤلمة أمام فعاليات حقوقية ومدنية، كاشفة عن سلوك غير تربوي يتناقض مع روح الجامعة ورسالتها. قالت يومها: «لقد حرمني من حقي في التعليم لأني حافظت على كرامتي…».

وقد ردّ الأستاذ حينها ببيان ينفي فيه كل ما نُسب إليه، معتبرا الأمر تصفية حسابات، مدعيا أنه ضبط الطالبتين في حالة غش. لكن البيان قوبل بالتشكيك داخل الكلية، حيث أُثيرت تساؤلات حول قانونية المحاضر، وتمت مساءلته داخليًا، إلى أن تم إعفاؤه من رئاسة الشعبة.

اليوم، تتسع دائرة الاتهام، وتتحول من شبهة التحرش إلى تهم ثقيلة متعلقة بالاتجار في الشواهد والدبلومات، ما دفع القضاء إلى إعادة فتح الملف وتعميق البحث في حيثياته.

لكننا في جريدة “كابريس”، نؤكد أن هذه الوقائع، رغم خطورتها، لا يمكن اختزالها في صورة قاتمة عن الجامعة. فالأمر يتعلق بسلوك فردي معزول لا يجب أن يُعمم على باقي الأساتذة أو يُستعمل للتقليل من شأن المؤسسة الجامعية.

الجامعة تظل فضاء للنبل والمعرفة، تخرج منها رجالات الفكر والسياسة والعلم، وما يزال داخل أسوارها نساء ورجال يواصلون أداء رسالتهم بكل صدق وتفان. إن أي تعميم يُفقد النقاش موضوعيته، ويحوّله إلى محاكمة جماعية ظالمة في حق مؤسسة تحتاج اليوم إلى الإنصاف أكثر من أي وقت مضى.

فالمؤسسة الجامعية، بما راكمته من إشعاع علمي وتأطير أكاديمي مسؤول، لا يمكن أن تكون رهينة تصرفات فردية معزولة، قد تصدر عن بعض المنتسبين إليها دون أن تمثلها لا أخلاقيًا ولا مؤسساتيًا. فالكلية التي كانت ولا تزال مشتلاً للكفاءات، وفضاءً لصناعة النخب والباحثين، أكبر من أن يُنسب إليها انزياح شخصي لا يعكس روح الجماعة التربوية ولا فلسفة المؤسسة الأكاديمية. ومن هذا المنطلق، فإن خضوع أي شخص للمساءلة في إطار القانون لا يُعد مسًّا بالجامعة، بل هو خطوة في اتجاه حماية حرمتها، وتجديد الثقة المجتمعية في أدوارها الحيوية والتنويرية”.

نحن أمام فرصة لإعادة بناء الثقة، لكن ليس عبر الهدم، بل من خلال محاسبة كل من يسيء، دون أن نُسقط هيبة المؤسسة التي تبقى فوق الشبهات، وتستحق الاحترام.

ويبقى الأمل قائماً…

إن ما يقع اليوم ليس نهاية الحكاية، بل هو محطة لمراجعة الذات، وتصحيح المسار، وتجديد العهد مع القيم التي تأسست عليها الجامعة. فلا إصلاح بدون مساءلة، ولا تجديد للثقة بدون وضوح. وكلما تميزنا بالصرامة في مواجهة الانزلاقات الفردية، كلما زدنا مناعة مؤسساتنا قوة، ومنحنا للأساتذة النزهاء والطلبة الجادين فسحة أمل في غدٍ جامعي أنقى وأصلب.

من زاوية قانونية، تبقى قرينة البراءة أصلًا لا يُمس، ولكن في المقابل لا يمكن التساهل مع جرائم تمس مصداقية الشهادات الجامعية، لما لها من تأثير على العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. ومن هنا، فإن ترك الملف بين أيدي القضاء، ليقول كلمته باستقلالية وصرامة، هو الضمان الحقيقي لاسترجاع هيبة الجامعة، ورد الاعتبار للمؤسسة والمجتمع.

أما تربويًا، فإن مناخ الجامعة السليم يقوم على الاحترام والثقة والتقدير المتبادل. وحين يُخلّ أحد المنتمين إلى هذا الفضاء بهذه القيم، فإن رد الفعل لا يجب أن يكون بالتشهير الجماعي، بل بالتمسك بميثاق الأخلاقيات، وتثبيت النموذج التربوي النزيه، وتشجيع بيئة تحمي الطالب والأستاذ معًا من كل استغلال أو شبهة.

وفي ارتباط مع رؤية إصلاح التعليم العالي، فإن ما جرى يضعنا أمام ضرورة مستعجلة لتقوية آليات الحكامة والشفافية داخل الجامعة، وتفعيل المراقبة البيداغوجية والإدارية، وتعزيز آليات التبليغ والحماية للمبلغين. فالجامعة التي نطمح إليها هي تلك التي تسير على نهج الجودة، وتُقاس قوتها بقدرتها على التصحيح الذاتي، والتفاعل الإيجابي مع الانتقادات، لا بخطابات التبرير أو التستر.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة