العمل الحقوقي مسؤولية كبيرة، ومهمة نبيلة، تتطلب التزاماً صادقاً وعملاً مستمراً من أجل الدفاع عن الإنسان وكرامته. هي مسؤولية تتطلب استمرارية وثباتاً، بعيداً عن المزايدات اللحظية والاستغلال الظرفي. غير أن المشهد الحقوقي في بلادنا شهد في السنوات الأخيرة ظهوراً لعدد من الجمعيات التي تبتعد كل البعد عن هذا المفهوم، وتُمارس نشاطها بطريقة غير مسؤولة، تعتمد على التفعيل حسب الطلب، وبالمقاس الذي يخدم أجندات معينة.
هذه الجمعيات لا تتعامل مع الحقوق كقضية ثابتة وجوهرية، بل تتعامل معها كأداة، وكوسيلة لتحقيق أهداف غير معلنة. تظهر فجأة في ملفات معينة، تصدر بيانات موجهة، تتخذ مواقف تتوافق مع مصالح معينة، ثم تختفي مع انتهاء تلك الملفات. هي جمعيات لا تحمل رسالة واضحة، ولا تمتلك خطاً نضالياً مستقراً، بل تشتغل بمنطق “الفرصة” والاستغلال.
والمؤسف أن هذا النوع من العمل الحقوقي يضر بالحقل الحقوقي ككل، إذ يشوش على الرأي العام ويُضعف الثقة في الجمعيات الحقوقية الجادة التي تُبذل جهوداً كبيرة بصمت وموضوعية. كما أن استمرارية هذه الظاهرة تخلق حالة من الاستغلال المستمر لمفاهيم الحقوق والحريات، وتحوّلها إلى شعارات تُرفع وقت الحاجة فقط، لا إلى مبادئ يُلتزم بها على الدوام.
غياب آليات الرقابة والتنظيم يساهم في توسع هذه الظاهرة، حيث لا توجد شروط واضحة تحكم تأسيس هذه الجمعيات، ولا معايير تضمن التزامها بالقيم الحقوقية الحقيقية. كما أن التمويل الغامض وعدم الشفافية في مصادر الدعم يجعل من هذه الجمعيات مجالاً خصباً للممارسات المشبوهة.
في ظل الفوضى… نموذج نادر للصدق والاستقلالية
في المقابل، توجد جمعيات حقوقية حقيقية، لها تاريخ نضالي عميق وخبرة ميدانية واضحة، تشتغل بجد واجتهاد بعيداً عن الأضواء والضجيج الإعلامي، وتدافع عن حقوق الإنسان بصدق ومسؤولية. من بين هذه الهيئات، تبرز هيئة الضمير الوطني للدفاع عن حقوق الإنسان كجمعية وطنية متوازنة، تشتغل ضمن إطار احترام المؤسسات الوطنية، وتدافع عن الحقوق والحريات في نفس الوقت.
يرأس الهيئة السيد عبد المجيد بن حساين، الذي يُعتبر من أبرز الوجوه الحقوقية في الساحة الوطنية، رمزاً للنزاهة والالتزام الثابت بقضايا الإنسان. لا يعرف عنه الانحراف نحو المزايدات أو المساومات السياسية، فهو يقود الهيئة برؤية واضحة ومهنية لا تقبل التفريط في القيم أو المواقف. تحت قيادته، تحولت الهيئة إلى منبر لا يخضع للابتزاز، ولا يتماهى مع أي أجندة خارج نطاق الدفاع الحقيقي عن الحقوق والحريات.
هذا الرجل لا يبيع قضيته، ولا يستغل القضايا لخدمة مصالح ضيقة، بل يعمل بصمت وبعزم، محافظاً على احترام القانون والكرامة الإنسانية، وهو ما أكسبه ثقة واحترام الجميع، حتى من خصومه. هذه الشخصية المتميزة تجسد النموذج المثالي للقائد الحقوقي الذي يضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار، ويرفض أي انزلاق في الممارسات التي تشوه سمعة العمل الحقوقي.
عبد المجيد بن حساين… حقوقي بلا مساومة ولا مقايضة
يُحسب لرئيس هذه الهيئة، السيد عبد المجيد بن حساين، أنه ظل وفيّاً لخط حقوقي واضح، لا يتقاطع مع منطق الابتزاز أو التواطؤ أو تصفية الحسابات. هو رجل لا تُسجل عليه ممارسات التوظيف الانتهازي للقضايا، ولا يُعرف عنه أنه دخل على خط الملفات بمنطق المساومة أو الاصطفاف حسب المقابل. حضوره في الحقل الحقوقي محكوم برؤية متزنة، تضع احترام كرامة الإنسان في صلب الأولويات، وتؤمن بأن الدفاع عن الحقوق لا يقبل المقايضة ولا يحتمل البيع ولا الشراء. هذه السمات المهنية والشخصية هي التي أكسبته احتراماً متزايداً، حتى وسط من يختلفون معه في التقدير أو التوجه.

العمل الحقوقي في بلادنا يواجه تحديات كبيرة تتطلب توازناً دقيقاً بين الدفاع عن الحريات والحقوق، واحترام ثوابت الوطن والمؤسسات. كثير من الجمعيات تتحرك في هذا المجال لكن بطرق متباينة، بين التزام جاد ومسؤول وبين تحركات أقل مهنية تستغل القضايا الحقوقية لأهداف غير واضحة. هذه التحديات تستدعي تعزيز الشفافية، والمصداقية، والوضوح في المواقف، لضمان أن يكون الدفاع عن الحقوق حقيقي وفاعل، بعيداً عن التوظيف السياسي أو الانتهازي.
أن الحقل الحقوقي بحاجة ماسة إلى تصفية هذه الظواهر، وتعزيز جمعيات تمتلك استقلالية حقيقية، ومصداقية راسخة، وخبرة حقيقية في الميدان. دون ذلك، ستبقى حقوق الإنسان معرضة للتوظيف، والمصداقية مهددة، والضحايا الحقيقيون محرومين من صوت قوي وفاعل.
