المصطفى العياش / كابريس
في مشهد يعكس استفحال ظاهرة التضليل الرقمي، أقدم اليوتيوبر هشام جيراندو، المدان بـ15 سنة سجناً على خلفية قضايا تتعلق بإهانة مؤسسات دستورية والتشهير والتهديد، على بث شائعة تمس وزير العدل عبد اللطيف وهبي. حيث نشر يوم الأحد 8 يونيو 2025 محتوىً مغرضًا على منصات التواصل الاجتماعي، يتهم فيه الوزير بالضلوع في حادثة سير مزعومة وهو في حالة سكر، وهي رواية واهية سرعان ما فندتها الوقائع بشكل صارم، وبيّنت أنها لا تمت للحقيقة بأي صلة.
المثير في الأمر ليس فقط خطورة الاتهامات الملفقة، بل التوقيت المدروس والمقاصد الخفية التي تحكم مثل هذه الحملات، والتي تسعى جاهدة إلى زعزعة الثقة في رموز الدولة، واستهداف قطاعات حساسة من بينها قطاع العدل، الذي يعرف في عهد الوزير وهبي تحولات هيكلية طموحة.
إن اعتماد وزير العدل على وسائل نقل رسمية مؤمَّنة، والتزامه بالبروتوكولات المؤسساتية، ينفي جملة وتفصيلاً إمكانية انخراطه في مثل هذه التصرفات التي روج لها جيراندو. وبالتالي، فالاتهامات لا تعدو أن تكون سوى امتداد لحملات تشهير ممنهجة، اعتاد هذا الشخص استخدامها لاستقطاب المتابعات وإثارة الفتنة، مستغلًا هشاشة الرقابة الرقمية في بعض المنصات.
ولعل ما يضاعف من خطورة هذه الممارسات، هو أن مصدرها شخص سبق أن صدر في حقه حكم قضائي ثقيل، ما يثبت أن تحركاته اليوم لا تندرج ضمن حرية التعبير، بل تقع في صميم الجرائم الرقمية المعاقب عليها قانونيًا. إنها جرائم تستهدف الاستقرار الرمزي للمؤسسات، وتراهن على البلبلة لإرباك الرأي العام.
إن تداعيات مثل هذه الادعاءات لا تقتصر على الشخص المستهدف، بل تمس نسيج الثقة بين المواطنين والمؤسسات، وتشكك في المسار الإصلاحي الذي تقوده الدولة على أكثر من مستوى. فحين تصبح المنصات الرقمية مجالاً لبث الشائعات وتلفيق الأكاذيب دون حسيب، يصبح لزاماً على السلطات والمجتمع المدني والإعلام المسؤول أن يتحركوا بتنسيق محكم لردع هذه الانزلاقات.
ومع توسع دائرة التأثير الإلكتروني، خاصة بين فئات الشباب، تزداد الحاجة إلى بناء وعي جماعي مضاد، يُحصن المجتمع من اختراقات الفتنة الرقمية، ويزرع ثقافة التحقق من المعلومة والتمييز بين النقد المشروع والتشهير الممنهج.
وعليه، فإن التصدي لمثل هذه السلوكيات لا يجب أن يظل حبيس المقاربات الزجرية، بل يجب أن يتعزز بمداخل تربوية وثقافية، تضع في صلب أولوياتها بناء علاقة صحية بين المواطن ومنصات التعبير، وتجعل من الإعلام الرقمي فضاءً لتقوية الديمقراطية وليس لنسفها.
فالمعركة اليوم ليست فقط قانونية أو سياسية، بل هي معركة قيم، يتواجه فيها مشروع بناء الدولة الحديثة بمفاهيمها المؤسساتية مع محاولات التشويش والانزلاق نحو الفوضى والتشكيك. من هنا، تبدو اليقظة الجماعية، بمختلف مستوياتها، حجر الزاوية لحماية المكتسبات، والدفاع عن مصداقية الإصلاح، وعن رموز الدولة التي تشتغل في إطار الدستور والقانون.
وفي النهاية، يظل الاستقرار الوطني رهينًا بثقافة الحقيقة، والثقة في المؤسسات، والوعي بخطورة الحرب الرقمية التي تستهدف القيم قبل الأشخاص، والرموز قبل الوقائع.