في مساء الجمعة 11 أبريل 2025، اختفت صورة للمقاوم الحاج علي المنوزي من جدران عمارة بشارع كانبين في الدار البيضاء، في حادث يثير العديد من التساؤلات حول مدى أهمية الحفاظ على ذاكرة الوطن في لحظات متسارعة من التغيير. لكن هذه الحادثة لا تقتصر على كونها مجرد غياب لصورة من جدار، بل هي بداية لسؤال أكبر حول هوية هذه المدينة، وحول كيفية الحفاظ على ذاكرته الجماعية.
في هذه اللحظة الفارقة، يقف المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، أمام اختبار حقيقي لدوره في الحفاظ على هذه الذاكرة. فكما هو معروف، تمثل الرموز الوطنية جزءًا لا يتجزأ من هويتنا، ومن مسؤولية الجميع أن يحافظوا عليها، وخصوصًا أولئك الذين يحملون على عاتقهم مهمة توثيق وتبني هذه الذاكرة.
إن مصطفى الكثيري، وبصفته المعني الأول بحفظ ذاكرة المقاومة والتاريخ الوطني، يجد نفسه مطالبًا اليوم بتبني هذا الحدث بشكل عملي. فالحفاظ على الصور والرموز الوطنية لا يتعلق فقط بحفظ التاريخ، بل هو أيضًا تأكيد على قيم التضحية والنضال التي شكلت قاعدة بناء هذا الوطن
.لكن في النهاية، لا يمكن لأي شخص أو مؤسسة أن يتجاهل الأسئلة التي طرحتها هذه الحادثة. وكما جاء في تصريح سابق لابن الحاج علي المنوزي، الدكتور صلاح الدين المانوزي، في حوارٍ أجريته معه شخصيًا لجريدة كابريس، حين أُثير موضوع هذه الحادثة، أجاب قائلاً: “نحن لسنا ضد الحفاظ على الذاكرة الوطنية، لكننا نبحث عن حلول تضمن الموازنة بين الحفاظ على التاريخ والتطور المستقبلي.” كان جوابًا يعكس حرصه العميق على إيجاد حلول منطقية ومتوازنة، بعيدًا عن ردود الأفعال العاطفية أو التسرع في اتخاذ المواقف.
الدكتور صلاح الدين المانوزي أضاف: “نحن منفتحون على التعاون مع السلطات وكافة الجهات المعنية، لإيجاد صيغة تحفظ حقوق الساكنة ومالكي العقار، وتُيسر في الوقت نفسه إنجاز المشاريع التنموية والاستراتيجية في خدمة الصالح العام. ما نرفضه هو أن يُطوى هذا الفصل من التاريخ بالجرافات. يجب أن يُحفظ هذا المكان بما يليق بذاكرة المدينة القديمة، وبشهداء الوطن الأبرار.
تصريح الدكتور صلاح الدين المانوزي يحمل في طياته دعوةً هادئة، لكن قوية، للموازنة بين الحفاظ على الذاكرة الوطنية من جهة، وتحقيق التنمية المنشودة من جهة أخرى. هذا التصريح يعكس إدراكًا عميقًا بأن التاريخ لا يمكن أن يُمحى أو يُطمس في عملية تنمية عشوائية. بل على العكس، يجب أن تندمج الذاكرة الوطنية بشكل متوازن في المشاريع المستقبلية، دون إغفال تاريخ الأماكن التي احتضنت نضالًا مريرًا من أجل الحرية والكرامة.

إن ما ذكره الدكتور صلاح الدين المانوزي يفتح المجال للحديث عن كيفية توظيف هذه الرموز التاريخية في التحديث والتنمية، دون التفريط في قيمها أو طمسها. إن حديثه عن “البحث” يعكس النهج العقلاني الذي يتبناه، ويشدد على أن العمل المشترك مع السلطات والمجتمع هو الطريق الأمثل لحماية هذه الذاكرة من الضياع.وفي هذا السياق، يصبح من الواضح أن العملية لا تقتصر على استعادة الماضي فحسب، بل تشمل أيضًا كيف يمكن للمستقبل أن يرتكز على هذا الماضي، دون التفريط في القيمة الرمزية لتلك الأماكن التي شهدت صراع الأجيال من أجل الحرية.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط البحث عن حلول لحماية الذاكرة، بل أيضًا لإيجاد سبل تُمكن هذه الذاكرة من العيش والتفاعل مع روح العصر، بما يعكس تطور المجتمع دون أن يفقد هويته الأساسية.
إن الذاكرة الوطنية يجب أن تكون أكثر من مجرد مقتنيات عتيقة في متحف، بل عنصرًا حيويًا في نسيج المجتمع، محوره القيم التي قدمها لنا الشهداء والرموز الوطنية.
