المصطفى العياش “كابريس”
في لحظات الألم الإنساني، حين تعلو القيم فوق الحسابات، يُفترض أن يكون التضامن مساحة نقية تُعبّر عن ضمير الأمة. لكن، للأسف، ما جرى في المسيرة التي احتضنتها الرباط يوم الأحد 6 أبريل 2025، كشف عن انزياح خطير عن هذا المعنى، وفضح استغلالًا فجًّا لقضية نبيلة لتصريف خطابات التشنج وتصفية الحسابات الأيديولوجية.
من المؤسف أن يتحول حدث تضامني مع شعب يُقصف ويُجَوَّع إلى منصة للتهجم المجاني على مستشار جلالة الملك، السيد أندري أزولاي، وهو رجل جسّد منذ عقودٍ روح التعايش والحوار، وأسهم في تكريس صورة المغرب كأرض للانفتاح والاعتدال. أن يُوصف علنًا بـ”الصهيوني” في سياقٍ تضامني، هو انزلاق لا يُسيء فقط إلى شخصه، بل إلى صورة الوطن وأخلاقيات شعبه.

ومن المفارقات المحزنة أن تُكال الاتهامات المجانية لرجلٍ يُعد من رموز التعايش المغربي، دون أدنى اعتبار لتاريخه الوطني والإنساني. فأندري أزولاي، المغربي الأمازيغي الصويري، لم يكن يومًا غريبًا عن قضايا الوطن، بل ينحدر من أسرة يهودية مغربية خاضت غمار المقاومة إلى جانب الوطنيين، وكان والده أحد الفاعلين في الحركة الوطنية، نُفي إلى محاميد الغزلان بسبب مواقفه. في شبابه، تشبع أزولاي بروح النضال، وبدأ مساره في الدولة إلى جانب عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله، حين كان هذا الأخير وزيرًا للاقتصاد والمالية في حكومة عبد الله إبراهيم رحمه الله، وهي مرحلة مفصلية في بناء المغرب المستقل، سبقت تأسيس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تولى عبد الرحيم بوعبيد لاحقًا قيادته. ورغم الفرص الواسعة التي كانت متاحة له خارج البلاد، فضّل أزولاي خدمة وطنه من الداخل، والمساهمة في ترسيخ صورته كأرض للتعدد والتسامح.
لقد كان المنتظر أن تُترجم هذه المسيرة قيم المغاربة في الإنصاف والرزانة، فإذا بها تُختطف من طرف من جعلوا من قضايا الأمة مطية للاستعراض السياسي والمزايدة الشعبوية. غاب العلم الوطني، ورفرفت رايات لا علاقة لها بالمغرب، وكأن هذا البلد العظيم صار تفصيلًا هامشيًا في لحظة يُفترض أن يكون هو مركزها الأخلاقي والرمزي.

هذا الغياب لم يكن تفصيلًا بريئًا. بل هو تجسيد لاختلال مقلق في فهم معنى الوطنية، وخلطٍ بين الانخراط الصادق في القضايا العادلة، وبين استخدامها كأدوات لتفجير الانقسامات وتوسيع الفجوات.
إن التجاوزات التي شهدتها المسيرة ليست مجرد انفعالات عابرة، بل رسائل مشحونة، تتطلب وقفة تأمل ويقظة مؤسساتية. فحين يُستهدف مستشار ملكي بهذه الطريقة الفجّة، فإن الأمر يتجاوز الأشخاص ليطال هيبة الدولة ومكانة مؤسساتها. ومن هذا المنطلق، يُنتظر من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، أن تُباشر تحقيقًا شفافًا في ما وقع، وتُحمِّل المسؤولية لمن سمحوا بتحويل مسيرة تضامنية إلى منصة للانقسام والتوتير.
المغرب، الذي نعرفه ونفتخر بالانتماء إليه، لا يسبّ رموزه، ولا يُخفي رايته، ولا يُقصي أبناءه. بل هو وطن الحكمة، واحترام المؤسسات، والتضامن النبيل الذي لا يُفرِّط في السيادة ولا يُتاجر بالمبادئ.