بقلم: المصطفى العياش ــ سكرتير جريدة “كابريس”
كانت زاكورة على موعد مع السماء، حين انهمرت مؤخرا الأمطار بغزارة غير معهودة، خلال مدة زمنية قصيرة، مُغرقة شوارعها وأحياءها بمياه السيول، ومُحدثة حالة من الهلع وسط الساكنة، لاسيما بالمناطق الهشة ذات البناء الطيني. وبرغم قساوة المشهد، كانت العناية الإلهية حاضرة، إذ لم تُسجل خسائر في الأرواح، وإن خلفت الأمطار انهيارات متفرقة لبعض الجدران والمنازل.
وقد استنفرت السلطات الإقليمية، في شخص عامل إقليم زاكورة، مختلف المصالح المعنية، من أمن وطني، ووقاية مدنية، ودرك ملكي، وقوات مساعدة، بالإضافة إلى الجماعات الترابية، من أجل التدخل السريع وإنقاذ المواطنين المتضررين. وعملت مصالح الوقاية المدنية، تحت إشراف القائد الإقليمي، على إجلاء الأسر التي كانت محاصرة داخل منازلها أو التي أصبحت مساكنها آيلة للسقوط بسبب التربة المشبعة بالماء. كما تم إنقاذ عدد من الأشخاص الذين كانوا محاصرين وسط السيول.
دواوير زاكورة: دعوة للتنمية المستدامة
إلى جانب هذه التساقطات، يعكس الوضع في عدة دواوير بزاكورة صورة عن التحديات الكبرى التي تواجهها المنطقة في مجال البنية التحتية، وكذا في المجال التنموي. من بين هذه الدواوير، نجد دوار إرشگ، الذي يُعد من أقدم الدواوير في المنطقة، ويتميز بتاريخه العريق وبالروابط العميقة التي تجمع ساكنته بالأرض. يُعتبر دوار إرشگ نموذجاً حياً للترابط بين الإنسان وموارده الطبيعية، ويشكل مجالاً خصباً لتطوير المشاريع التنموية.
ويُعد هذا الدوار موطناً لعائلات عريقة، في طليعتها العائلة الكبيرة العياش (ٱيت بايعيش)، التي كانت وما زالت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأرض، وتجسد هذه العائلات القيم الفلاحية الأصيلة التي لطالما حفظت هذه المنطقة. ويطمح شباب إرشگ اليوم إلى أكثر من مجرد البقاء؛ إنهم يطمحون إلى تحويل دوارهم إلى وجهة سياحية قروية متميزة، تروي تاريخ المنطقة وتستثمر في تراثها الثقافي والمعماري.
فقد عبر شباب الدوار عن رغبتهم في ترميم الدوار القديم ليكون فضاءً سينمائياً مفتوحاً يستقطب شركات الإنتاج الفني لتصوير الأفلام التاريخية والدرامية، نظراً لطابعه الأصيل والبناء الطيني العريق. كما يسعون إلى استثمار الواحة التابعة للدوار من خلال إحداث فنادق بيئية لاستقبال السياح، بما يضمن تجربة سياحية أصيلة تحترم البيئة وتفتح آفاقاً جديدة للتشغيل.
نداء شباب دوار إرشگ إلى الجهات المعنية:
وبالنظر إلى أهمية الحفاظ على التراث الثقافي والعماري لدوار إرشگ، فإن شباب القبيلة يوجهون نداءً إلى الجهات المتخصصة في هذا المجال، والتي تشمل وزارة الثقافة والشباب والرياضة، وبالخصوص المديرية العامة للتراث، بالإضافة إلى مؤسسة التراث الثقافي الوطني، وهيئات التخطيط العمراني والبيئي في الجهات المحلية. كما يوجهون النداء إلى مجلس جهة درعة تافيلالت، الذي يعد أحد الفاعلين الأساسيين في تنمية هذه المنطقة، من أجل دعم مبادرة شباب دوار إرشگ الرامية إلى ترميم الدوار القديم وتحويله إلى وجهة سياحية ثقافية تحترم هوية المنطقة.
وبالإضافة إلى هذه الجهات، فإن وزارة السياحة والصناعات التقليدية، التي تشرف على مشاريع تنمية السياحة القروية، هي شريك أساسي في هذا المشروع، حيث يمكنها توفير الدعم الفني والمالي لتحقيق هذه المبادرة. لا ننسى أيضاً أهمية التعاون مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي يمكنها لعب دور كبير في تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة تخدم أهداف ترميم الدوار وتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة.
ولا ننسى التساقطات الأخيرة التي كشفت لنا حقيقة الوضع في العديد من الدواوير، كدوار تمزمزط، دوار تاوريرت، دوار إغيل نومكون، دوار أمزرو، ودوار تامكروت، حيث الأمل معقود على تأهيل البنيات التحتية، وتأمين خدمات أساسية من ماء وكهرباء وإنترنت، بالإضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تواكب تطلعات الشباب.
نداء إلى كل المتدخلين: زاكورة تحتاج لالتفاتة تنموية حقيقية
وأمام هذه المؤشرات التي كشفت عنها التساقطات الأخيرة، وأمام التحديات التي يعيشها العالم القروي بزاكورة، فإن الوقت قد حان لتوحيد الجهود، وإطلاق مبادرة تنمويّة شاملة، تستهدف الدواوير التي ظلت لعقود على هامش التنمية.
وفي هذا السياق، يوجَّه النداء إلى عامل إقليم زاكورة، باعتباره أول المتدخلين، من أجل إطلاق ورش تنموي يراعي خصوصيات المناطق القروية، ويواكب تطلعات شبابها، وفي مقدمتهم شباب دوار إرشگ، الذين يطمحون لترميم دواويرهم القديمة وتحويلها إلى وجهات سياحية واعدة، قادرة على خلق فرص الشغل وتثبيت الساكنة في أراضيها.
كما أن هذا النداء يمتد إلى كافة المتدخلين من مجالس جماعية، ومصالح جهوية، ومبادرة وطنية للتنمية البشرية، وقطاعات وزارية، وكل الفاعلين المدنيين، من أجل العمل المشترك على تأهيل هذه الدواوير، وتطوير بنيتها التحتية، وفتح آفاق اقتصادية جديدة، تجعل من زاكورة نموذجا للتنمية المتوازنة، التي تُراهن على الإنسان كركيزة أساسية.
ولا يمكن الحديث عن التنمية بزاكورة دون الإشادة بالورش الكبير الذي أطلقته وزارة التجهيز والماء، بتوجيهات سامية من جلالة الملك محمد السادس نصره الله، حيث شهد المحور الطرقي الرابط بين مراكش وزاكورة، خاصة على مستوى منعرجات تيشكا، إعادة تأهيل شاملة، بعدما كان يُعد من أخطر المحاور الطرقية التي كانت تزهق فيها الأرواح باستمرار. واليوم، بفضل هذا الورش الوطني، تقلصت الحوادث بشكل كبير، مما أعطى دفعة قوية لربط زاكورة بباقي جهات المملكة، وسهل تنقل الساكنة والسياح، وفتح أفقاً جديداً لتنمية الإقليم.
إن مستقبل زاكورة، وفي طليعتها دوار إرشگ وباقي دواويرها العريقة، رهين اليوم بسرعة هذا التدخل، وبقدرة الفاعلين على التقاط رسائل الأرض وسكانها، والانتقال من تدبير الأزمات إلى صناعة الفرص التنموية، الكفيلة بجعل هذه الربوع حاضرة على خريطة المغرب الجديد.
