عبد العالي الرامي… صوت مدني نذر حياته لحماية الطفولة وخدمة الوطن

kapress13 يوليو 2025آخر تحديث :
عبد العالي الرامي… صوت مدني نذر حياته لحماية الطفولة وخدمة الوطن

في زمن كثرت فيه الأصوات، وتعددت الفعاليات، يبقى الراحل عبد العالي الرامي استثناءً حقيقيًا. رجل لم يكن يبحث عن الشهرة أو المناصب، بل كان يعيش قضيته بحميمية وصدق، يجعل من خدمة الإنسان – وبالأخص الأطفال والمهمشين – رسالة لا تفاوض فيها، ولا موسم تراجع فيها.

منذ إعلان وفاته، خصصت معظم وسائل الإعلام الوطنية تغطيات موسعة تستحضر مناقبه، وتنقل شهادات مؤثرة من شخصيات جمعوية، وحقوقية، وإعلامية، ممن عايشوا تجربته أو تأثروا بمساره. حتى شبكات التواصل الاجتماعي تحولت إلى دفتر عزاء مفتوح، حيث تناقل الآلاف صوره، وكلماته، ومبادراته، كأن صوته لا يزال بيننا.

وجريدة “كابريس” بدورها، اختارت أن تُنجز هذا المقال التحليلي، ليس فقط للوفاء لذكراه، بل لتثمين تجربة مغربية نادرة في العمل الميداني الصادق والمسؤول.

من التأسيس إلى التحوّل إلى مرجعية

تجربة عبد العالي الرامي لم تنطلق من فراغ. أسّس “منتدى الطفولة” في سياق مغربي يعرف هشاشة كبيرة في مقاربة قضايا الأطفال. لكنه لم يركن إلى ثقافة البلاغات والندوات، بل فضّل الاقتحام الميداني، ومصاحبة الحالات، وتوجيه الرأي العام نحو جوهر القضية: لا تنمية بدون حماية الأطفال، ولا مستقبل بدون تأهيل الإنسان من بداياته.

لقد راكم المنتدى تحت إشرافه مبادرات نوعية، تجاوزت منطق العمل الموسمي إلى بلورة آليات للوساطة المجتمعية، والمناصرة الذكية، والاشتغال على التراكم عوض المناسبات.

عقل الدولة وقلب المواطن

من بين السمات البارزة في مسار عبد العالي الرامي، تميّزه باستقلالية فكرية كاملة، مكنته من التعبير بحرية تامة وموضوعية، محافظًا على نزاهته ومصداقيته في طرح قضايا المجتمع والدفاع عن حقوق الإنسان دون تردد أو تحيز.

كان يؤمن بأهمية الإصلاح الحقيقي عبر الحوار البناء والمقترحات المدروسة التي تراعي واقع المجتمع وتحدياته. وبهذا النهج، عمل على التأثير في السياسات العمومية ومناصرة حقوق الفئات الهشة بفعالية ومسؤولية، محافظًا على صوت مستقل وواضح في الدفاع عن قضايا الطفولة وحقوق الإنسان.

عبد العالي الرامي: نموذج الالتزام المدني والوفاء للوطن

كان عبد العالي الرامي صوتًا مدنيًا مخلصًا، نذر حياته للدفاع عن حقوق الطفولة وتأهيل الإنسان كركيزة حقيقية لمستقبل الوطن. أسس مؤسسات مستقلة بعيدة عن أي ضغوطات سياسية أو مالية، حافظت على نزاهتها وصدقها في خدمة المجتمع. اتسم نهجه بالهدوء والرصانة، مؤمنًا بأن الإصلاح يتطلب الحوار والتدرج وليس المواجهة العنيفة أو الشعارات الجوفاء. بفضل حضوره المتوازن في الإعلام والمنصات الرقمية، وسع دائرة الوعي بقضايا الأطفال والحقوق الاجتماعية، محركًا الرأي العام بموضوعية ومصداقية. لم يكن مجرد ناشط حقوقي، بل كان نموذجًا في الوفاء والمسؤولية، ظل ثابتًا في مبادئه ومخلصًا لقيمه، معبرًا عن حب صادق لوطنه وإنسانه، حتى في أصعب لحظات حياته.

وفاء راسخ للمؤسسات الوطنية

في مساره الجمعوي والحقوقي، ظل عبد العالي الرامي مؤمنًا بأن الاستقرار الوطني يقوم على احترام الثوابت والمؤسسات. لم يكن ولاؤه شعارات فقط، بل ترجمة فعلية في مواقفه الحاسمة التي جمعت بين الدفاع عن حقوق الإنسان والعمل ضمن إطار الدولة ومؤسساتها.

كان يرى في الإصلاح مسارًا تدريجيًا مبنيًا على التوافق، والتفاعل بين الفاعلين، ومراعاة الظروف السياسية والاجتماعية، متجنبًا خطابات الانقسام والصدام التي قد تضر بمصلحة الوطن.

تجربة إعلامية موازية… دون أن يكون صحافيًا

كان عبد العالي الرامي حاضرًا في الإعلام، ليس كناشط يبحث عن الضوء، بل كصوت مؤسس لرأي عام اجتماعي. دخل البرامج بمرجعية، وخرج منها باحترام. قدم تحاليله دون ضجيج، وتفاعل مع الأحداث دون أن يفقد توازنه. لم يشتغل كصحافي، لكنه احترم قواعد الصحافة: الدقة، التحقق، وعدم المتاجرة بالقضايا.

وقد أضاف لهذا الحضور بعدًا رقميًا، حيث تحولت صفحاته إلى منبر موازي، يقدّم المعلومة، ويحرك الرأي العام، ويعيد الاعتبار لقضايا تم إقصاؤها من دائرة النقاش العمومي.

خاتمة: إرث عبد العالي الرامي… نموذج للعمل المدني الجاد

يترك عبد العالي الرامي إرثًا مميزًا يتمثل في استقلالية العمل المدني، وتركيزًا على حماية الفئات الهشة وخاصة الأطفال، ومقاربة واقعية للإصلاح تقوم على الحوار والتدرج، مع ارتباط قوي بالمؤسسات الوطنية. كما استثمر الإعلام بموضوعية لرفع الوعي بقضايا حقوق الإنسان. هذا الإرث يشكل دعوة حقيقية للمجتمع المدني والمؤسسات لتفعيل وتطوير هذه المسارات، وجعلها جزءًا أساسيًا من السياسات الوطنية، بدل أن تبقى تجارب فردية تُنسى مع مرور الزمن.

إعداد: المصطفى العياش ــ سكرتير تحرير جريدة “كابريس
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة