العيون – في لحظة فارقة تعكس التحول العميق في وعي الشباب الصحراوي، أقدم الشاب المعروف بلقب “ولد لاتيرا”، ابن مدينة العيون، على إحراق بطاقة عضويته في جبهة البوليساريو، معلنا بجرأة ووضوح تخليه عن المشروع الانفصالي، واعتزازه الكامل بهويته المغربية، عبر إشهاره العلني لبطاقة تعريفه الوطنية.
منير نافيع /كابريس
المشهد لم يكن استعراضا شخصيا، بل إعلانا سياسيا صريحا عن نهاية مرحلة وبداية أخرى، يحمل فيها أبناء الصحراء مسؤولية تصحيح المسار وفضح الأكاذيب التي روّجت لها قيادة الجبهة لعقود. هو تمرد على الخديعة الكبرى التي تسوقها البوليساريو تحت عباءة “النضال”، بينما هي في الحقيقة أداة متآكلة في يد النظام الجزائري.
لقد أضحى من المؤلم أن نشهد شبابا مخدوعا، حرم من أبسط حقوقه في التعليم والتعبير والكرامة، لا لشيء سوى لأن الجزائر قررت احتضان جبهة وهمية، وصرف المال العام على معارك عبثية، بدل الانخراط الصادق في مسار التنمية المغاربية المشتركة.
المفارقة الصادمة أن حافلات جزائرية شوهدت مؤخرا تقل عشرات من عناصر الجبهة نحو تونس، ليس من أجل مهمة دبلوماسية أو نضالية كما تدعي القيادة، بل هربا من مخيمات البؤس ومن واقع سياسي أصبح يدار بالولاء والمصالح، لا بالمبادئ.
جبهة البوليساريو اليوم لم تعد تمثل الصحراويين، بل أصبحت عبئا عليهم. مشروعها السياسي فقد بريقه، وتراجع إلى مجرد خطاب مكرر لا يلقى آذانا صاغية لا في الداخل ولا الخارج. بل الأخطر، أن أبناء المخيمات صاروا أول من يكذب خطابها، ويهاجرون منها كما يهاجر من سفينة غارقة.
أما الجزائر، فعليها أن تعيد النظر في حساباتها القديمة. دعم كيان وهمي لم يجلب إلا مزيدا من العزلة السياسية والخسائر الدبلوماسية، لم يعد خيارا استراتيجيا، بل مأزقا أخلاقيا. التاريخ لن يرحم من يطيل معاناة شعب بأكمله باسم أجندات سياسية لا تخدم سوى أوهام الماضي.

إن موقف “ولد لاتيرا” وغيره من أبناء الصحراء الذين عادوا لحضن الوطن، لا يحتاج إلى تأويل. الرسالة واضحة: لا مكان للوهم في مغرب اليوم. المغرب، بوحدته الترابية ومشروعه التنموي في الأقاليم الجنوبية، ماضٍ في طريق البناء والمصالحة، أما من اختاروا الارتهان للمجهول، فقد لفظهم حتى التاريخ.