في لحظة دقيقة من تاريخ المنطقة، حيث تتقاطع رهانات الأمن والدبلوماسية مع متغيرات دولية متسارعة، يطل علينا الأستاذ مصطفى المنوزي، رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن، بمقال تحليلي بعمق الرؤية وصرامة المنهج، مستشرفاً ما قد تحمله الشهور المقبلة من توترات محتملة على مستوى الوساطة الأممية في ملف الصحراء المغربية
وبحكم موقعه المعرفي كمفكر قانوني وسياسي، راكم تجربة غنية في فهم توازنات الداخل والخارج، يفتح المنوزي نافذةً على المستقبل القريب، مستحضراً التحولات الجيوسياسية وموازين القوى الدولية، دون أن يغفل عن ضرورة تقوية الجبهة الداخلية كركيزة لأي موقف تفاوضي وطني مسؤول.
في ما يلي نص المقال:
في تدبير القضايا المصيرية تشاركياً… مع اقتصاد الكلفة والتفاؤل
بقلم: مصطفى المنوزي – رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن
سنعيش توترا معنويا مرهقا في الأشهر القليلة القادمة بسبب إشكالية “الحياد” في الوساطة الدولية؛ فرغم ان الأدبيات الأممية تقتضي أن يكون الوسيط محايداً، لكن تصريحات دي ميستورا توحي بتأثره بالرواية الجزائرية / الجبهوية، خاصة عند ربطه الحل بـ”مشاركة كل الأطراف” (أي جبهة بوليساريو)، رغم أن المغرب يعتبرها مدفوعة وغير شرعية. وبالتالي فإن هذا الانزياح عن الحياد يُضعف مصداقيته ويُعقّد المفاوضات، كما حدث سابقاً مع مبعوثين أمميين اتُهموا بالانحياز.
وإشارة الثلاثة أشهر القادمة كانت بارزة وقوية، وتوحي بثلاثة سيناريوهات محتملة: فإما الاستقالة أو الإقالة أو ترك الأمر على حالته:
فإذا استمر دي ميستورا في نهجه الحالي، سيُجبر على الاستقالة تحت ضغط عدم تحقيق تقدم، خاصة مع تشبث المغرب بموقفه وعدم قبول الجزائر لأي حل خارج “تقرير المصير”.
وبذلك سيتم تعيين وسيط جديد، وقد تختار الأمم المتحدة شخصية أقل انفعالاً وأكثر براغماتية، تُركّز على حلول وسطى (كالتوسيع النسبي للحكم الذاتي مع ضمان السيادة المغربية). وألا يبقى الخيار الأخير وذلك بالتفكير في تجميد الملف. ولذاك، فإذا فشل دي ميستورا في تقديم اقتراحات عملية، قد يُدفع الملف نحو الجمود، مما يعزز خيار “الوضع القائم” الذي يخدم المغرب دولياً (خاصة مع اعترافات واشنطن وغيرها بمغربية الصحراء ضمن تداعيات الإتفاق الثلاثي). والموازاة سيظل البعد الجيوسياسي خفيا، لأن الموقف الأمريكي والفرنسي (رغم التصريحات الدبلوماسية) يميل إلى دعم المغرب كحليف استراتيجي، بينما تستغل روسيا والصين الملف لخلق توازنات ضد الدول الغربية. وبذلك فانفعال دي ميستورا قد يكون انعكاساً لهذه التدخلات الخارجية، وليس مجرد تحيز شخصي. وما يهمنا هو ضرورة الوعي بالثمن وعلاقته بإحتمالات الفشل، فبغض النظر عن أزمة المصداقية في الوساطة الأممية، والتي تُهدّد بتفجير الملف من الداخل؛ يظل الخيار الأرجح هو أن دي ميستورا سيواجه مصير سابقيه (مثل جيمس بيكر) إذا لم يعدل نهجه، بينما يُظهر المغرب مرونة تكتيكية (كالحكم الذاتي) مع تشبث استراتيجي بوحدته الترابية. وإلى ذلك الحين وجب تقوية الجبهة الداخلية وتصفية الأجواء السياسية والبيئة الحقوقية في أفق تخليد الذكرى الخمسينية على إعادة تسطير نقطة إستكمال مسلسل التحرر والديموقراطية في جدول أعمالنا الوطني.

رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن

المصطفى العياش سكرتير التحرير