في ديسمبر 2023، اهتزت العاصمة الاقتصادية بتوقيف سعيد الناصري، رئيس مجلس عمالة الدار البيضاء، الذي يحمل تاريخًا حافلًا في السياسة والرياضة. الناصري، الذي يشغل مناصب بارزة داخل حزب الأصالة والمعاصرة، وكان نائبًا برلمانيًا منتخبًا عن دائرة أنفا، إضافة إلى رئاسته لفريق الوداد الرياضي، هكذا وجد نفسه متابعًا في ملف ثقيل يتهمه بالاتجار في المخدرات وتمويل شبكات إجرامية، إلى جانب تهم تزوير وثائق مالية ورسمية.
سعيد الناصري ليس مجرد شخصية سياسية محلية، بل هو من الوجوه التي جمعت بين السياسة والرياضة، مما أكسبه قاعدة شعبية واسعة داخل العاصمة الاقتصادية. انطلاقه السياسي كان في صفوف حزب الأصالة والمعاصرة، حيث شغل مناصب مهمة داخل هيئات الحزب، ما مكّنه من بناء شبكة علاقات قوية داخل وخارج الدار البيضاء. كما أن رئاسته لفريق الوداد الرياضي، أحد أقطاب الكرة المغربية، أضافت له شهرة كبيرة وجعلته محط متابعة من قبل جماهير واسعة.
دائرة أنفا، التي يمثلها الناصري في البرلمان، تعد من أهم دوائر الدار البيضاء لما تتمتع به من كثافة سكانية وأهمية اقتصادية واجتماعية، مما يمنح ممثلها وزناً سياسياً. كما أن رئاسته لمجلس عمالة الدار البيضاء منذ سبتمبر 2021 أضافت له نفوذاً مهماً في تدبير الشأن المحلي، وهو الأمر الذي جعله شخصية محورية في المشهد السياسي للمدينة.

مسار المحاكمة وتطوراتها
في مايو 2024، بدأت جلسات محاكمته بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث وضع رهن الاعتقال الاحتياطي، وبدأت المحكمة تستمع إلى شهادات وأدلة. في 16 يوليوز 2024، أدلى شاهد رئيسي بتصريحات أثارت جدلاً واسعًا حين قال أمام المحكمة: “سمعت ماشي شفت”، وهو ما أثار تساؤلات كبيرة حول مصداقية الأدلة المقدمة.
دفاع الناصري استغل هذه التناقضات لتأكيد أن الاتهامات تعتمد بشكل كبير على أقوال غير مؤكدة وضعيفة الدليل.
وخلال جلسات يونيو 2025، شهدت الجلسات استدعاء شخصيات سياسية بارزة وتحقيقًا حول تزوير وثائق وشهادات مالية وأرقام تسجيل شاحنات يُزعم استخدامها في عمليات تهريب. الملف يتضمن تهمًا معقدة تشمل مراقبة عمليات نقل شاحنات مشبوهة وتحليل سجلات مالية وعقارية مرتبطة بالمتهم، ما يجعل الملف تقنيًا ويحتاج إلى تدقيق دقيق.
في جلسات أبريل 2025، قدم الناصري دفاعًا قانونيًا مفصلاً بشأن ملكيته لعقارات محل جدل، مؤكداً شرائها بطرق قانونية سليمة. دفاعه أشار إلى وجود تناقضات في الوثائق المزورة التي أُثيرت ضده، ما يزيد من أهمية الحسم القضائي الدقيق.
شهادات الشهود: محور الحقيقة
تشكل شهادات الشهود العنصر الأساسي في القضية، لكن المرافعات الأخيرة كشفت عن تناقضات واضحة وضعف في مصداقية بعض الشهود الذين أدلوا بأقوالهم أمام المحكمة. هذه التناقضات لم تقتصر على إضعاف الأدلة المقدمة ضد سعيد الناصري، بل أظهرت أيضًا غموضًا وعدم وضوح في عدة نقاط من التهم الموجهة إليه، مما يثير تساؤلات جدية حول صحة وموثوقية هذه الادعاءات.
في ظل هذه المعطيات، يصبح واضحًا أن كثيرًا من الاتهامات ترتكز على أقوال غير مؤكدة وأدلة هشة، ما يفرض على القضاء مسؤولية التمحيص الدقيق والحياد التام في تقييم الأدلة، والحرص على إصدار حكم يستند إلى وقائع ثابتة بعيدًا عن الظنون أو الضغوطات الخارجية.
موقف الدفاع: مواجهة الاتهامات وتفنيدها
في جلسة أبريل 2025، قدم محامي سعيد الناصري دفاعًا قانونيًا مفصلاً، مؤكداً أن الاتهامات الموجهة لموكله تفتقر إلى أدلة قاطعة، وأنه يظل مستفيدًا من قرينة البراءة التي يكفلها القانون. قال الدفاع بوضوح:
“الاتهامات التي تفتقر إلى أدلة قاطعة لا يمكن أن تقفز فوق قرينة البراءة التي يكفلها القانون لموكلي.”
كما نفى بشكل قاطع التورط في الاتجار بالمخدرات وتمويل الشبكات الإجرامية، مشدداً على أن الفيلا التي أثارت الجدل بشأنها، تم شراؤها بشكل قانوني وشفاف عبر شركة عقارية معروفة منذ سنة 2017، قائلاً:
“الفيلا التي تثار حولها الشكوك هي ملك قانوني تم شراؤها بشفافية كاملة عبر شركة عقارية معروفة منذ 2017.”
خلال جلسات المحكمة التي جرت بين أبريل ويونيو 2025، أكد الدفاع على ضرورة أن تكون المواجهة الحقيقية مع الشهود والأدلة واضحة وشفافة، وقال:
“المواجهة الحقيقية مع الأدلة والشهود ضرورية لكشف الحقيقة، ونحن نطالب بمحاكمة عادلة تراعي حقوق المتهم.”
كما استغل الدفاع التناقضات الواضحة في شهادات بعض الشهود، وخصوصاً الشاهد الأول الذي صرح أمام المحكمة بأنه لا يعرف الناصري شخصياً، وأنه تعامل مباشرة مع متهم آخر بخصوص صفقة شقة. معينة، مما يزيد من غموض الاتهامات ويضعف مصداقيتها.
وشدد المحامي على ضرورة فصل القضية عن أي تأثيرات سياسية أو ضغوطات، مطالباً المحكمة بإنصاف موكله من خلال الالتزام بالمساطر القانونية الصارمة واحترام قرينة البراءة حتى صدور الحكم النهائي.
التروي واحترام العدالة
تبقى قضية “إسكوبار الصحراء” محطة دقيقة في حياة سعيد الناصري ومسيرته السياسية والرياضية، تعكس مدى تعقيد المشهد الذي يلتقي فيه القانون والسياسة والأضواء الإعلامية. في هذا السياق، لا يمكن لأي تقييم أو حكم أن يُصدر قبل أن تفضي شهادات الشهود وفحص الأدلة بدقة إلى الحقيقة الكاملة.
الانتظار ليس مجرد صبر، بل هو ضرورة لضمان العدالة التي تستند إلى الأدلة والوقائع لا إلى الافتراضات أو الضغوطات السياسية. وعليه، يبقى الباب مفتوحاً أمام سعيد الناصري لإثبات براءته، والقضاء وحده القادر على كتابة الفصل الأخير في هذه القصة.
