متابعة : المصطفى العياش
في كلمته باسم الوفد البرلماني المغربي، من داخل المؤتمر الثامن والثلاثين للاتحاد البرلماني العربي المنعقد بالجزائر، بعث النائب الأول لرئيس مجلس النواب، محمد صباري، برسالة سياسية واضحة تعكس التحول في المقاربة المغربية للعمل العربي المشترك. فقد دعا إلى “صياغة رؤية واقعية ومشتركة تقطع مع خطابات الوعظ والانقسام”، في إشارة إلى الحاجة الملحة لتجاوز الشعارات الجوفاء نحو ممارسات عملية تصون مصالح الدول العربية وتدفع بتضامنها إلى أفق جديد.
هذا الطرح المغربي يتقاطع مع مرحلة دقيقة يعيشها النظام العربي، في ظل ما يعرفه من تحولات إقليمية ودولية، جعلت من المطلوب إعادة بناء أسس التعاون بين الدول العربية على قاعدة احترام سيادة كل دولة ووحدتها الترابية، وهو المبدأ الذي شدد عليه صباري بوضوح، بما يعكس ثوابت السياسة الخارجية للمغرب، خاصة في ما يخص قضاياه الوطنية الحيوية.
مغزى الرسالة المغربية من داخل مؤتمر الجزائر
الخطاب المغربي من داخل مؤتمر الجزائر لم يكن مجرد موقف عابر، بل جاء ليؤسس لمرحلة يتطلع فيها المغرب إلى جعل الفضاء البرلماني العربي منصة حقيقية لتجميع الإرادات، بعيداً عن منطق الاستقطاب والانقسام.
ومن خلال التشديد على التضامن والتفاهم، بدا واضحاً أن المغرب يراهن على إعادة ضبط بوصلة العمل العربي نحو قضايا الاستقرار والتنمية، باعتبارهما مدخلين أساسيين لتحصين البيت العربي من الهزات المتكررة التي تشهدها المنطقة.
كما أن التذكير بالدور الذي يضطلع به الاتحاد البرلماني العربي في “لم الشمل وتوفير فضاء للحوار”، يعكس رغبة المغرب في إحياء روح التنسيق الجماعي، خاصة في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية المتنامية.
الاتحاد البرلماني العربي: لحظة اختبار من داخل المؤتمر
اليوم، ومن داخل هذا المؤتمر، يبدو الاتحاد البرلماني العربي، بعد خمسين سنة على تأسيسه، في اختبار حقيقي لمدى قدرته على تجديد هياكله وتطوير آليات اشتغاله. فالدعوة المغربية لتطوير هذا الاتحاد ليست مجرد توصية إجرائية، بل تعكس مطلباً استراتيجياً لجعل العمل البرلماني العربي أداة فاعلة قادرة على التفاعل مع التحولات الجيوسياسية الكبرى، وصون استقلالية القرار العربي الجماعي.
ففي زمن تتصاعد فيه رهانات النفوذ الإقليمي والدولي على المنطقة، يصبح العمل البرلماني الموحد ضرورة وليس ترفاً، وهو ما شدد عليه الوفد المغربي، في إشارة إلى أن المرحلة المقبلة تقتضي انسجام الخطاب العربي الجديد مع مصالح الأمة ومتطلبات العصر.
الوفد المغربي: حضور وازن ورهان استراتيجي
ولا يغيب عن المراقبين أن الوفد المغربي، بتعدده وتنوعه، يعكس إرادة المغرب في التموقع الفاعل داخل هذه الدينامية الجديدة. فقد ضم وفد مجلس النواب، إلى جانب محمد صباري، كلاً من النواب محمادي توحتوح، وعبد الرزاق أحلوش، وفيصل الزرهوني، فيما مثل مجلس المستشارين كل من أحمد خشيشن، نائب رئيس المجلس، والمستشارة سليمة زيداني، والمستشار لحسن الحسناوي.
هذا الحضور المغربي في المؤتمر يؤشر إلى رغبة في تعزيز الأدوار البرلمانية كرافعة دبلوماسية موازية تخدم الأجندة الوطنية وتدعم موقع المغرب كفاعل إقليمي موثوق.