من 2006 إلى 2797: مسار المبادرة المغربية للحكم الذاتي كما يرويه بلالي اسويح

kapress15 نوفمبر 2025Last Update :
من 2006 إلى 2797: مسار المبادرة المغربية للحكم الذاتي كما يرويه بلالي اسويح

أكد المحلل السياسي وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، إبراهيم بلالي اسويح، أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي لم تكن يوما مناورة دبلوماسية أو لحظة سياسية عابرة، بل هي نتيجة مسار وطني تشاركي واسع انطلق مباشرة بعد الخطاب الملكي لشهر يوليوز 2006، حين أعلن جلالة الملك محمد السادس عزمه تقديم مقترح متقدم لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء تحت السيادة المغربية. هذا الإعلان، يضيف اسويح، لم يكن مجرد توجيه ملكي، بل كان بداية لورش جماعي شاركت فيه مختلف المؤسسات والفاعلين والهيئات الممثلة للمجتمع الصحراوي، وفي مقدمتها المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، الذي قاد نقاشات موسعة شملت المنتخبين وشيوخ القبائل والفعاليات المحلية والنسيج الجمعوي، في محاولة لصياغة تصور واقعي يأخذ بعين الاعتبار نبض المجتمع الصحراوي ومطالبه التاريخية في إطار وطني جامع.

ويوضح عضو الكوركاس أن المشاورات التي جرت خلال تلك المرحلة كانت عميقة وشاملة، وأنها استحضرت التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تواجه الأقاليم الجنوبية، كما انفتحت على مختلف الحساسيات والمطالب المحلية من أجل صياغة مقترح ذي مصداقية، يحظى بشرعية داخلية قبل أن يقدم على المستوى الدولي. ويرى اسويح أن قوة المبادرة المغربية تكمن في أنها لم تأت من فوق، بل تشكلت من خلال نقاشات واقعية شاركت فيها مكونات المجتمع الصحراوي بشكل مباشر، وهو ما منحها عمقا مجتمعيا لم تحظ به أي من الطروحات الأخرى التي ظلت بعيدة عن الواقع الميداني.

ويضيف المتحدث أن المغرب، بعد أشهر من التشاور والصياغة، قدّم مبادرته للحكم الذاتي إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 11 أبريل 2007، وهي اللحظة التي غيّرت منطق التعاطي الدولي مع ملف الصحراء، إذ صارت هذه المبادرة منذ ذلك التاريخ محور قرارات مجلس الأمن، الذي وصفها بالمقترح الجدي وذي المصداقية، القادر على توفير حل سياسي واقعي ومستدام. ويؤكد اسويح أن هذا التحول لم يكن وليد ضغط أو ظرفية، بل كان نتيجة رؤية ملكية استباقية أرادت القطع مع مناورات الماضي وتقديم نموذج سياسي منسجم مع المعايير الدولية في تدبير النزاعات الترابية، يقوم على تمكين الساكنة من تدبير شؤونها داخل إطار السيادة الوطنية، مع توفير ضمانات دستورية ومؤسساتية واضحة.

ويشير اسويح إلى أن مجلس الأمن، طيلة السنوات التي تلت تقديم المبادرة، حافظ على نفس الخط التحريري في قراراته، مؤكدا على جدّية المقترح المغربي ومشددا على ضرورة البحث عن حل سياسي واقعي وقابل للتطبيق. هذا المسار تعزز أكثر مع القرار الأخير رقم 2797، الذي جدد التمسك بالثوابت التي أرستها المبادرة المغربية، وأعاد تكريسها كإطار أساسي للعملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة، وهو ما يعكس، بحسب اسويح، تغيرا مهما في ميزان المواقف داخل المجتمع الدولي لصالح الرؤية المغربية التي أثبتت نجاعتها وواقعيتها مقارنة بأطروحات أخرى ظلت أسيرة منطق تقليدي ولم تعد تحظى بالاهتمام نفسه.

ويرى عضو الكوركاس أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي ليست مشروعا تقنيا أو وثيقة تفاوض فحسب، بل هي مشروع دولة قائم على فلسفة سياسية واضحة، تسعى إلى تعزيز التنمية الجهوية، واحترام الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمنطقة، وترسيخ الحكامة الجيدة، مع الحفاظ على الانسجام الوطني. ويؤكد أن المغرب اختار منذ البداية الاعتماد على التشاور والإنصات والانخراط الميداني بدل فرض الحلول، وهو ما جعل المبادرة اليوم تحظى بقوة أخلاقية وقانونية وسياسية على حد سواء.

ويخلص اسويح إلى أن المسار الذي انطلق منذ أكثر من خمسة عشر عاما أثبت متانته وواقعيته، وأن المبادرة المغربية للحكم الذاتي صارت اليوم مرجعا دوليا في تدبير النزاعات الترابية، ونموذجا لحل سياسي يحظى بقبول واسع داخل المجتمع الدولي، مع ما يفتحه ذلك من آفاق جديدة لترسيخ الاستقرار وتعزيز التنمية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وفق رؤية شاملة تجمع بين الشرعية الوطنية والتفاعل الإيجابي مع متطلبات المنتظم الدولي.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News