نداء للصفح الملكي… بين إنسانية اللحظة وإرادة الوطن

kapressمنذ ساعتينآخر تحديث :
نداء للصفح الملكي… بين إنسانية اللحظة وإرادة الوطن

في لحظة إنسانية تتجاوز حدود السياسة والقانون، أُتيحت لناصر الزفزافي، المعتقل على خلفية “أحداث الحسيمة”، رخصة استثنائية من إدارة السجون، مكنته من زيارة والده أحمد الزفزافي الذي يرقد منذ أسابيع في مستشفى محمد السادس بمدينة أجدير، بعد أن اشتد عليه المرض وأضعفه الداء الخبيث.

الزيارة جرت في جو من الهدوء والوقار، حيث حضر الابن إلى جانب والده في لحظة صمت ووجع، لا يعلم مداها إلا الله. لحظة لا تُقاس إلا بقيم الرحمة، وهي التي تجعل من إنسانية الدولة وجهها الأسمى، وتجعلنا كمغاربة نُدرك أن الحزم لا يلغي الرحمة، وأن الانضباط لا يُلغي الوفاء للأسرة والكرامة.

زيارة تعيد بريق الأمل

اللقاء الذي تم بين الأب والابن لم يكن مجرد استجابة إدارية، بل لحظة دفء، لحظة بعثت الأمل لدى ساكنة الريف وعموم المواطنين، بأن المؤسسة السجنية، في ظل توجيهات عليا، لا تغلق أبوابها في وجه الحالات الإنسانية، بل تستحضر البُعد الوجداني، حين تمس الظروف جوهر العلاقات الإنسانية.

وقد تم التعامل مع الزيارة بمرونة إنسانية وتقدير للمقام.

جلالة الملك محمد السادس: ضامن الوحدة الوطنية وحقوق المغاربة

ولأن الملك هو الساهر على صيانة حقوق المغاربة، والضامن الدستوري لوحدة البلاد واستقرارها، فإن هذه اللحظة تحمل بُعدًا أعمق. فهي ليست فقط بين ابن ووالده، بل هي بين أبناء الوطن وقيادته.

جلالة الملك محمد السادس، بما يُعرف عنه من حكمة واتزان، قاد البلاد لسنوات عبر توازن دقيق بين صرامة الدولة ورحمتها، وبين احترام المؤسسات والإنصات للوجدان الشعبي.

الوطن يسع الجميع… والمصالحة لا تُلغي النقد

وفي هذا الإطار، نرى أن لحظة اللقاء تصلح لأن تكون بداية لتقارب جديد، لا يُلغي اختلاف الرؤى، لكنه يُعيد ترتيبها في إطار المصلحة العليا للوطن. لأننا إذا كنا نطلب الصفح، فإننا نطلبه من موقع مسؤول، لا من موقع خصومة.

وإذا كانت الدولة قد أوصلت رسائلها بوضوح، فإن من مصلحة كل من عبّر يوماً عن مواقف صاخبة، أن يعيد قراءتها بنضج وهدوء، لا نكراناً لمبدأ، ولكن وفاءً لروح الوطن.

وهنا، تبرز دعوة إلى المراجعة الذاتية، أي إلى نوع من “الانفتاح على النقد الذاتي”، الذي لا يُعلن صراحةً لكنه يُقرأ في الرسائل.

قضية تتجاوز الأفراد… وتخص الوطن ككل

لا يتعلق الأمر بناشط بعينه أو عائلة بمفردها، بل يتعلق بتجربة وطنية مرّت بمنعرج صعب، وتحتاج اليوم إلى من يُعيد بناء الجسور، بالحكمة لا بالاندفاع، وبالوفاء لا بالعداء.

لذلك، فإننا نؤمن أن صفحة جديدة يمكن فتحها، بدون منتصر ولا منهزم، بل بضمير حي، يعرف أن هذا الوطن يتسع للجميع، ويحتكم إلى مؤسساته، ولا يُغفل قوة العفو ولا رمزية الصفح.

أفق المصالحة وروح الدولة

وفي ظل القيادة المتبصّرة لجلالة الملك، نُدرك أن الدولة حين تصفح، فإنما تفتح أفقًا نحو الاستقرار والتلاحم. وأن المصالحة الحقيقية تبدأ حين يراجع الٱخر موقعه، لا عن ضعف، ولكن عن وعي واستيعاب.

وفي هذه اللحظة بالذات، نُوجه نداءً وطنياً نابعاً من وجدان جماعي صادق، ومن إيمان عميق بأن الصفح الملكي حين يتجلى، لا يُنقص من هيبة الدولة، بل يُعلي من شأنها، ويُعزز صورتها في الداخل والخارج. فالعفو في منطق الملكية المغربية العريقة، ليس ضعفاً، بل تعبير عن قوة الدولة حين تتجاوز، وتسامح، وتؤسس لمستقبل جديد.

المقال من إعداد: المصطفى العياش
سكرتير تحرير جريدة “كابريس”
رئيس المنظمة المغربية للمواطنة والدفاع عن الوحدة الترابية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة