مقال رأي : منير نافيع
لم يكن انقطاع الكهرباء الواسع الذي ضرب مدنا إسبانية وبرتغالية حدثا عابرا. خلف الستار، تتجه أصابع الاتهام نحو الجزائر، البلد الذي تحوّل من جار مغاربي إلى مصدر معتمد للفوضى والابتزاز.
التحقيقات مستمرة، لكن من يعرف السجل الأسود للنظام الجزائري، لا يحتاج إلى كثير من الوقت ليفهم أن اللعب بالبنية التحتية لجيرانها وأوروبا ليس غريبا على عقلية اعتادت استبدال الحوار بالتحريض، والدبلوماسية بالتخريب.
لم تكتف الجزائر برعاية تنظيم البوليساريو الانفصالي لعقود، بل حولته إلى أداة صريحة لابتزاز المغرب وتعطيل أي محاولة لاستقرار المنطقة. مال وسلاح ودعم سياسي بلا حدود، تحت شعار زائف اسمه “تقرير المصير”، فيما الحقيقة أن الجزائر اختارت أن تزرع بذور النزاع لتبرر وجود نظامها الفاشل داخليا.
ومع أول لحظة انحازت فيها مدريد للحق المغربي بدعم مبادرة الحكم الذاتي، كشرت الجزائر عن أنيابها، وأطلقت آلة الانتقام: تجميد اتفاقات الطاقة، تهديد الإمدادات، والآن، ضرب البنية التحتية الحيوية، في رسالة فجة للعالم بأن أمنه رهينة بيد نظام لا يعرف إلا منطق “علي وعلى أعدائي”.
أي سلوك هذا؟ أهو سلوك دولة مسؤولة؟ أم سلوك عصابة مارقة قررت أن تدفع أوروبا ثمن أوهامها الإمبراطورية المتهالكة؟
الجزائر لم تتوقف عند حدود جيرانها. عبر أجهزتها السرية وشبكاتها المظلمة، وفرت أرضا خصبة للجماعات الإرهابية في الساحل. كانت معبرا للسلاح، ملاذا للإرهابيين، وممولا لميليشيات تقايض الدماء بالنفوذ. حولت شمال وغرب إفريقيا إلى منطقة موبوءة بالفوضى والخراب، والآن تحاول تصدير هذا السرطان نحو الضفة الأوروبية.
لم تعد الجزائر، بهذا السلوك، دولة ذات سيادة تحترم القوانين الدولية، بل أصبحت ورما جيوسياسيا يهدد الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء.
الجزائر التي ترفع رايات “تحرير الشعوب” هي نفسها التي تخنق تطلعات شعوب بأكملها، وتسمم العلاقات الدولية بنهجها العدواني والابتزازي.
لقد كشف الزمن زيف الشعارات وسقطت الأقنعة. الجزائر اليوم عنوان للفشل الداخلي الذي يصدر على شكل أزمات، من قمع شعبي إلى تدخلات قذرة، إلى خلق بيئات إرهابية تهدد القارتين الإفريقية والأوروبية معًا.
في لحظة الحقيقة، تجد الجزائر نفسها محاصرة بعزلتها، مكروهة من جيرانها، محط ريبة في إفريقيا، ومصدر قلق دائم لأوروبا.
وإذا استمرت في هذا الطريق، فلن تكون النهاية إلا مزيدا من السقوط نحو قاع الدول المارقة، تديرها أجهزة أمنية بائسة، تحكمها أوهام عظمة اندثرت منذ عقود.
العالم لن ينتظر كثيرا قبل أن يتعامل مع الجزائر كما يتعامل مع أي خطر أمني دولي: بالاحتواء، بالمحاسبة، وربما بالعقوبات.
التاريخ لا يرحم دولا تصر على أن تكون مصانع للفوضى… والجزائر تسير بخطى ثابتة نحو هذا المصير المشؤوم.