إعداد: المصطفى العياش
الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش، وما تلاه من رسالة تهنئة من رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، لم يكونا مجرد لحظتين بروتوكوليتين، بل حملا إشارات سياسية واضحة: الحكم الذاتي لم يعد مجرد تصور سياسي، بل بات خياراً استراتيجياً ينتظر التفعيل الميداني.
وفي ظل اقتراب موعد انتخابات 2026، يطرح سؤال جوهري نفسه بإلحاح:
هل يمكن أن تشكل هذه الانتخابات مدخلاً عملياً لانطلاق أولى خطوات تفعيل الحكم الذاتي في أقاليمنا الجنوبية؟
الحكم الذاتي: من الورق إلى الواقع
مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007، وصنفتها كبريات الدول كـ”حل جاد وذي مصداقية”، وصلت اليوم إلى لحظة حاسمة:
إما أن تظل وثيقة قانونية تنتظر التنفيذ،
أو أن تتحول إلى واقع ملموس عبر آليات دستورية ومؤسسات منتخبة.
وانطلاقاً من هذا المعطى، فإن الانتخابات المقبلة قد تكون محطة تاريخية، إذا ما تم إدماج تصور الحكم الذاتي بشكل عملي ضمن سيرورة تنظيمها في الأقاليم الجنوبية، من خلال:
توسيع اختصاصات الجهات الصحراوية المنتخبة.
إطلاق تجربة محلية موسعة في التدبير الذاتي.
اعتماد آليات ديمقراطية خاصة تعكس روح الحكم الذاتي في التمثيلية والقرار.
إشارات ملكية واضحة
الخطاب الملكي شدد على أن قضية الصحراء هي المعيار الحقيقي لمصداقية المواقف وطنياً ودولياً، وهذا يعني أن الدولة تهيئ الأرضية لمرحلة جديدة يكون فيها الحكم الذاتي جزءاً من البناء الديمقراطي الداخلي، لا مجرد ورقة تفاوضية خارجية.
بعبارة أخرى: الحكم الذاتي قد لا يكون موضوع تفاوض مع الخارج فقط، بل أيضاً برنامج عمل داخلي تبدأ ملامحه من خلال انتخابات حقيقية تجسد التسيير المحلي الذاتي في الأقاليم الصحراوية.
دعم أمريكي يزكي هذا التوجه
الرسالة الأخيرة للرئيس الأمريكي جو بايدن لم تترك مجالاً للغموض، حين أكدت أن “خطة الحكم الذاتي هي الحل الوحيد والجاد والواقعي لهذا النزاع”، ما يعني أن المنتظم الدولي بات ينتظر من المغرب خطوات تطبيقية تواكب هذا الاعتراف.
وما دامت الانتخابات آلية ديمقراطية معترف بها دولياً، فإن الربط بين الحكم الذاتي وتنظيم انتخابات جهوية موسعة في الصحراء، قد يكون خطوة ذكية لتعزيز شرعية المشروع داخلياً وخارجياً.
الانتخابات المقبلة ليست فقط موعداً لتجديد المؤسسات، بل قد تكون لحظة تأسيسية لمسار جديد، عنوانه:
“من الحكم المركزي إلى الحكم الذاتي، عبر الشرعية الانتخابية”.
فهل نعيش في 2026 أول خطوة عملية نحو تنزيل مشروع الحكم الذاتي بالصحراء؟
وهل تكون صناديق الاقتراع بوابة فعلية لنقل هذا المشروع من الأوراق الرسمية إلى حياة الناس اليومية؟
الأجوبة ستُحسم في الأيام القادمة، ومعها يتحدد شكل المغرب الجديد، المتوازن، والموحد في تعدده.
–