منير نافيع – العيون
جاء الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة ليؤكد مرة أخرى على أولوية تسريع التنمية في مختلف مناطق المملكة، وعلى وجه الخصوص الأقاليم الجنوبية التي طال انتظارها لإنجاز مشاريعها الملكية على أرض الواقع. الخطاب لم يكن شعارات فارغة أو كلمات رنانة، بل كان رسالة واضحة، صارمة، لا تقبل التأويل، لكل من يتحمل مسؤولية أمام الدولة والمواطن.
الرسالة كانت موجهة أولا للحكومة التي فشلت على مدار أربع سنوات متتالية في تحقيق أي إنجاز ملموس. طوال هذه الفترة، لم يترجم خطاب الملك إلى مشاريع محسوسة، ولم يخفف من معاناة المواطنين، بل اكتفت السلطات بالاحتجاجات، والفوضى، والمبررات، في حين كان المواطن العادي ينتظر فرصة شغل، أو خدمة عامة، أو تحسنا حقيقيا في جودة حياته.
الجهات المنتخبة لم تكن أفضل حالًا، فهي أيضا فشلت في تسريع المشاريع الملكية، وأهملت تنفيذها كما لو كانت مجرد بروتوكولات للصور الإعلامية، دون أي متابعة فعلية أو محاسبة على التأخر المستمر. المواطن في جهة العيون الساقية الحمراء شاهد كل ذلك عن قرب، وهو يرى يوميا فرص الشغل تتراجع، والبطالة تتصاعد، حتى بلغت 19.4%، وهو رقم صادم يوضح حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المنطقة.
إضافة إلى ذلك، يجد الشباب المقاول والمستثمر طريقهم محاصرا بالبيروقراطية واللوبيات المحلية التي تتحكم في زمام الجهة. العقبات لا تأتي من نقص الإمكانيات أو ضعف المشاريع، بل من النفوذ الفردي والعائلي الذي يفرض سيطرته على الموارد ويحول دون وصول المشاريع إلى مستحقيها. كما تقول المقولة الشعبية: “العصا في الرويدة”. هذه المنظومة المتحكمة لا تسمح بمبادرة جديدة، ولا تشجع على الابتكار، بل تخنق روح المبادرة وتكبت أي محاولة حقيقية للتنمية.
الخطاب الملكي اليوم جاء ليضع الأمور في نصابها الصحيح: لم يعد هناك مجال للتهرب، ولا للأعذار، ولا للتبريرات، ولا للأداء الجزئي. كل مسؤول، من البرلمانيين إلى المنتخبين المحليين وفاعلي المجتمع المدني، مطالب بتحمل مسؤوليته الكاملة في تنفيذ التوجيهات الملكية على أرض الواقع، وتسريع المشاريع، وضمان أن تصل التنمية لكل مواطن، بلا استثناء.
المحاسبة هنا ليست مجرد تهديد لفظي، بل واجب وطني. أي تقاعس عن تنفيذ المشاريع أو البطء في الإنجاز سيكون له ثمنه، لأن التنمية ليست شعارا يرفع في المناسبات، بل هي أمانة وطنية ومسؤولية جماعية، وحق المواطن الذي تعبدت الدولة لتحقيقه منذ سنوات طويلة.
إن سكان جهة العيون الساقية الحمراء لم يعودوا ينتظرون وعودا جديدة، بل يريدون أفعالا، مشاريع ملموسة، فرص عمل حقيقية، تعليم وصحة في مستوى تطلعاتهم، بنية تحتية قادرة على دعم حياتهم اليومية، ومجالا حرا للمقاولات الصغيرة والمتوسطة. أي مسؤول لم يقدم هذه النتائج، أصبح خارج نطاق المسؤولية، ومهددا بالمحاسبة الصارمة.
الخطاب الملكي لم يترك أي هامش للغموض أو التساهل: العمل الآن، بلا تأجيل، بلا عذر، بلا مراوغة، وإلا فإن المسؤولية القانونية والسياسية ستلاحق كل من عرقل التنمية أو استهان بواجباته. الفشل في تطبيق توجيهات الملك أصبح جريمة في حق الوطن والمواطن، والأرقام والإحصاءات ليست مجرد بيانات، بل مرآة حقيقية لحجم الخلل والإخفاق.
جهة العيون الساقية الحمراء اليوم تحتاج إلى قيادة شجاعة، وإدارة صادقة، ومحاسبة صارمة لكل مقصر. شبابها ومقاولوها ومستثمروها يستحقون أكثر من الكلام، ويستحقون العمل الفعلي الذي يترجم التوجيهات الملكية إلى واقع ملموس، يحسونه في حياتهم اليومية ويعيشونه على الأرض.
فالخطاب الملكي كان صارما، والرسالة واضحة: التنمية واجب، المحاسبة حتمية، والعمل الآن، بلا أي تأجيل أو تهاون.