منير نافع/كابريس
في مشهد أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر البرلماني حسن السعدي، خلال تجمع حزبي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وهو يرقص بحماسةٍ على أنغام أغنية مهبول أنا أمام أعين رئيس الحكومة وأعضاء الحزب. الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم، أثار موجة من الانتقادات والسخرية، وحفّز تساؤلات جادة لدى المواطن المغربي حول مدى جدية المعايير التي تعتمد في اختيار المسؤولين العموميين الذين يمثلون صوت الشعب ويفترض بهم أن يكونوا حساسين تجاه معاناته.
في الوقت الذي كانت فيه المملكة المغربية تواجه أزمة متفاقمة، تمثلت في موجات هجرة جماعية للشباب والقاصرين نحو الضفة الأوروبية، كان المواطنون يتطلعون إلى من يمثلهم ويعبر عن همومهم. لكنهم فوجئوا بمن يفترض أن يكون صوتهم منشغلاً في مشهد اعتبره البعض “رقصًا على آلام الشعب”. قرار تعيين السعدي كاتبًا للدولة زاد من حجم الجدل، إذ باتت الأسئلة تتراكم حول العلاقة بين هذه التصرفات الشخصية غير التقليدية والتسلق إلى المناصب العليا.
لم يكن ظهور السعدي مجرد حدث عابر، بل أعاد فتح النقاش حول مستوى المسؤولية التي يجب أن يتحلى بها الشخص العام. فالمشهد الذي رآه الكثيرون غير لائق، أثار غضب الشارع المغربي، خاصة أن الفيديو ظهر في توقيت حساس. كان الشعب حينها يكابد من أجل مواجهة تداعيات الغلاء المعيشي والبطالة، فضلاً عن أزمات اجتماعية واقتصادية متعددة. وبدلا من أن يكون الصوت المعبر عن هؤلاء، ظهر البرلماني وكأنه في “احتفال” غير مبال بمعاناة من يفترض به تمثيل الوجوه الشبابية.
تعكس قصة السعدي مفارقة صعبة تُثير قلق الكثيرين حول حقيقة التأهل لتولي المناصب السامية. كيف يصل إلى المناصب العليا من يُنظر إليهم كممثلين غير جديين؟ وهل بات الرقص في التجمعات الحزبية طريقة جديدة للوصول إلى كراسي السلطة؟ هذه التساؤلات تحمل في طياتها رسائل سياسية تتجاوز شخص السعدي لتسائل المنظومة بأكملها، حيث يتساءل المواطن المغربي: ما الذي حدث للكفاءات الحقيقية ولأصحاب الخبرات الجادة؟
ففي زمن تتطلب فيه الأزمات الراهنة مسؤولين قادرين على اتخاذ القرارات الحاسمة والتعبير عن نبض الشارع، بدا للبعض أن تعيين أشخاص يتميزون بمشاهد شعبوية هو خذلان لآمال المواطنين، مما يفتح الباب واسعا أمام مطالبات بالإصلاح والمساءلة.
تعد ظاهرة تزايد الهوة بين المواطن والمسؤول أحد أبرز ملامح الوضع الراهن. فالرقص أمام الجمهور بمثل هذه الطريقة، وفي ظل الأزمة الحالية، يعبر عن مسافة لا يُمكن إغفالها بين الشعب وبين من يفترض أنهم ممثلوه. بالنسبة للكثيرين، بدا المشهد وكأنه تجاهل للواقع الذي يعيشه المواطن البسيط، وكأن هناك انقطاعا في إدراك الطبقة السياسية لهموم الشارع.
هل باتت “الشعبوية” بديلا للكفاءة؟
التعليقات التي غمرت منصات التواصل الاجتماعي، لم تكتف بالنقد فقط، بل ذهبت أبعد من ذلك، معتبرة أن مثل هذه التصرفات تقوض من جدية المؤسسات. لقد تساءل المواطنون عما إذا كانت الشعبوية الجديدة، التي تروج لبعض الصور البسيطة والمواقف المليئة بالإثارة، هي البديل عن الكفاءة في تحمل المسؤوليات العمومية. يعكس الأمر، ربما، فقدان الثقة في الطريقة التي يتم بها اختيار مناصب الدولة الهامة، حيث أصبح التوجه نحو “الشعبوية” بديلاً عمليا عن الكفاءة والخبرة، مما يشكل تهديدا للثقة الشعبية في مؤسسات الحكم.
في ظل هذا السخط العارم، تتوجه أعين المغاربة نحو إصلاحات تضمن تصحيح المسار السياسي وتجعل من الكفاءة المعيار الأول للترشح للمناصب العليا. ويأمل الشارع المغربي أن تكون حادثة حسن السعدي درسا يحث المسؤولين على إعادة النظر في سلوكياتهم وأدوارهم، من أجل الوفاء بتطلعات شعب يطمح إلى ممثلين يشعرون بمعاناته ويجتهدون في تلبية طموحاته، بدلاً من إثارة استيائه وتركه بلا إجابة حول مصير الثقة التي أولاها لهم.
ختاما، في الوقت الذي باتت فيه المشاكل الاجتماعية والاقتصادية تثقل كاهل المواطن المغربي، يبقى الأمل معلقا على أن يولي المسؤولون عناية خاصة لقضايا الشعب، بدلاً من الانشغال بمشاهد شعبوية قد تفيد سياسيا ولكنها تهدم الثقة الشعبية.