في سابقة من نوعها، أثبت الإعلامي هشام ناصر ليس فقط قدرته على التأثير في الإعلام، بل وأيضا على تقديم بحث أكاديمي رصين يلامس أبرز القضايا السياسية في المغرب. في صباح يوم السبت 19 أبريل 2025، أتم هشام ناصر بنجاح مناقشة أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون العام، التي جاءت تحت عنوان “المعارضة البرلمانية في النظام الدستوري المغربي والأنظمة الدستورية المقارنة”، أمام لجنة علمية مكونة من أساتذة أكفاء، على رأسهم الدكتور محمد البزاز الذي أشرف على هذا البحث.
من خلال هذه الأطروحة، لم يكن هشام ناصر يهدف فقط إلى دراسة واقع المعارضة البرلمانية في النظام الدستوري المغربي، بل ذهب أبعد من ذلك لفتح نقاش واسع حول كيفية تعزيز أدوار المعارضة في العمل البرلماني المغربي، وهي قضية لا تكاد تخلو من الجدل. فعلى مدار الأعوام الماضية، كانت المعارضة البرلمانية في المغرب موضوعًا حساسًا، يتراوح بين التعثر والتأثير المحدود، رغم الجهود التي تبذلها لتسجيل حضورها في المشهد السياسي.
الطروحات التي جاء بها هشام ناصر في أطروحته تكتسب أهمية استثنائية في ضوء التغيرات التي شهدها الدستور المغربي بعد 2011، حيث أن دستور 29 يوليوز منح لأول مرة حقوقًا رسمية وواضحة للمعارضة البرلمانية، معتبرًا إياها جزءًا لا يتجزأ من العملية السياسية. لكن السؤال الذي يطرحه الباحث، وهل كانت المعارضة المغربية قادرة فعلاً على تفعيل هذه الحقوق؟ وهل استطاعت فرض نفسها على المستوى التشريعي والرقابي كما يتطلبه الدستور؟
الجواب الذي قدمه ناصر في أطروحته يكشف عن واقع محبط، حيث أشار إلى أن المعارضة البرلمانية خلال الولايتين التشريعيتين الأخيرتين كانت تفتقر إلى التنسيق الكافي، مما أدى إلى تشتت في الرؤى السياسية وفقدانها لمخطط عمل واضح يساهم في تعزيز دورها الرقابي والتشريعي. ولفت إلى أن المعارضة برهنت عن عجزها في تنويع مجالات تدخلاتها التشريعية، حيث تركزت في مجالات محدودة مثل العدل وحقوق الإنسان، بينما غابت عن قطاعات حيوية مثل الاقتصاد والطاقة.

كما تناول ناصر، من خلال دراسته، تأثير غياب التنسيق بين مكونات المعارضة على آليات الرقابة، حيث أشار إلى أن الحكومة لا تبدي أية مقاومة تجاه معظم مقترحات المعارضة، وهو ما يسهم في جعل البرلمان مؤسسة شكلية بيد الأغلبية الحكومية. فحتى في ظل النقاشات الحادة والمواجهات السياسية التي قد تكون تخللها الاتهامات، نجد أن التصويت في النهاية يأتي بالإجماع، ما يعكس افتقار المعارضة للقدرة على التأثير الحقيقي.
ولم يغفل ناصر عن الإشارة إلى الصعوبات التي تواجه المعارضة في تفعيل آلية “السؤال البرلماني”، خاصة في ظل التأخير المستمر في الإجابة من قبل الحكومة، وكذلك غياب الأعضاء الوزاريين عن الجلسات البرلمانية، مما يجعل المساءلة البرلمانية تبدو خالية من أي مضمون حقيقي.
لكن ناصر لم يقتصر في بحثه على تشخيص الواقع، بل طرح حلولاً عملية يمكن أن تساهم في تعزيز دور المعارضة البرلمانية. من أبرز هذه الحلول كان دعوته لتفعيل المقترح الملكي “إخراج نظام خاص بالمعارضة البرلمانية”، وهو النظام الذي قد يشكل ركيزة أساسية لحماية حقوق الأقلية البرلمانية، وضمان دورها الفاعل في صنع القرار السياسي، مستلهماً في ذلك نماذج مقارنة من النظامين البريطاني والفرنسي.
وفي ختام المناقشة، تم منح الدكتوراه لهشام ناصر بميزة “حسن جدًا”، مع تنويه من لجنة المناقشة بالدراسة المتميزة التي قدمها. ويعد هذا البحث، إلى جانب كونه مرجعية قانونية أكاديمية، إضافة قيمة لميدان الإعلام السياسي، حيث يمزج بين البحث الأكاديمي الرصين وفهم عميق للواقع السياسي والإعلامي في المغرب.
إلى جانب ذلك، فإن هذه الأطروحة تُعتبر بداية مرحلة جديدة في تاريخ الإعلام المغربي، حيث أن الإعلامي هشام ناصر قد نجح في الجمع بين قوة الكلمة وعمق البحث العلمي، ليبني بذلك جسورًا جديدة بين الإعلام والبحث الأكاديمي، ويضع الأسس لفهم أعمق وأكثر وضوحًا لأحد أبرز القضايا السياسية في المغرب: دور المعارضة البرلمانية.
وفي ختام هذا المقال، لا يسعني إلا أن أهنئ الإعلامي هشام ناصر على هذا الإنجاز العلمي الكبير، الذي يعد إضافة قيمة للمشهد الإعلامي والسياسي في بلادنا. من إعلامي إلى إعلامي، فإن ما قدمته من جهد في هذا البحث يعد نموذجًا يُحتذى به في تعزيز العلاقة بين الإعلام والبحث الأكاديمي. أتمنى لك مزيدًا من النجاح والتميز في مسيرتك المهنية.


سكرتير تحرير جريدة “كابريس”