متابعة “كابريس”
في صمت الأروقة العتيقة لمعرض الرباط الدولي للنشر والكتاب، حيث تتقاطع ظلال الكتب مع شغف القرّاء، علت نبرة أخرى… نبرة الحجارة التي تتكلم. تلك الحجارة التي شكّلت ذاكرة العمارة المغربية والإماراتية، لا باعتبارها مجرد بناء، بل بصفتها سردًا ماديًا لهوية حضارية ضاربة في الزمن.
في جلسة جمعت بين الباحث الإماراتي حمد بن صراي والكاتبة المغربية زهور كرام، لم يكن النقاش مجرد مقارنة بين قوس وأعمدة، ولا بين الزليج والنوافذ المشربية. كان حفرًا في العمق: كيف يمكن للعمارة أن تقول ما تعجز عن قوله الخطابات السياسية والإعلامية؟ كيف تبني المجتمعات ذاكرتها على الطين والخشب والحجر؟
زهور كرام، بخبرة من تنقّل بين مدن المغرب العتيقة، رأت في العمارة المغربية مرآة للهوية المركبة، حيث تلتقي الدقة الأندلسية مع البساطة الأمازيغية في تناغم لا يخلو من تعقيد. في حديثها، بدا وكأنها تُحدّثنا عن رواية مكتوبة على جدران فاس ومراكش، لا عن مجرد زخرفة.
أما بن صراي، فقد قاد الحضور في رحلة عبر الخليج، حيث البيوت تُبنى على مقاس الريح والملح، وحيث الأناقة لا تُقاس بالذهب بل بقدرة الجدران على التنفس. العمارة الإماراتية، كما أوضح، هي فلسفة بقاء في وجه الصحراء، وتجريب ذكي في تحويل شح الموارد إلى جمال معماري.
بعيدًا عن لغة التكريمات الرسمية، جاء اللقاء ليعيد للعمارة مكانتها كلغة خفية للتاريخ… لغة قد تُنسى وسط زحام الحداثة الإسمنتية، لكنها تعود، كل مرة، لتقول لنا: هذا من نحن.
في معرض احتفت فيه الرباط بالشارقة، بدا واضحًا أن الجسور بين المغرب والإمارات لا تُبنى فقط بالكتب… بل تُبنى أيضًا بالحجارة التي تعرف كيف تهمس.