من التناوب إلى الدولة الاجتماعية: تقييم لمسار الحكومات المغربية بين الأمل والخيبة

يوسف بدري13 مايو 2025آخر تحديث :
من التناوب إلى الدولة الاجتماعية: تقييم لمسار الحكومات المغربية بين الأمل والخيبة


بقلم: زكرياء الأشرة – مراسل “كابريس”

منذ تشكيل حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمان اليوسفي سنة 1998، دخل المغرب مرحلة سياسية جديدة تميزت بإشراك المعارضة في تدبير الشأن العام، وفتح الباب أمام انتقال ديمقراطي سلمي كان يُعد في ذلك الوقت سابقة في العالم العربي. تجربة اليوسفي، رغم رمزيتها الكبيرة، كشفت عن صعوبة الانتقال من سلطة تنفيذية مركزية إلى سلطة حكومية ذات فعالية حقيقية، حيث ظل النفوذ الفعلي للقرارات الكبرى بيد المؤسسة الملكية، فيما وُجهت انتقادات للحكومة بسبب عجزها عن تحقيق الوعود الاجتماعية المعلنة.

خلال الفترة الممتدة بين 2002 و2011، عرفت الحكومات المتعاقبة بقيادة إدريس جطو ثم عباس الفاسي نوعًا من الاستقرار المؤسساتي، لكنها افتقرت إلى النفس السياسي والإصلاح الديمقراطي. ورغم إطلاق مشاريع كبرى كالميناء المتوسطي وشبكة الطرق السيارة، وبدء تنفيذ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإن الفوارق الاجتماعية والبطالة والفساد ظلت حاضرة، وسط شعور متزايد بجمود الحياة السياسية وضعف التأطير الحزبي.

مع اندلاع حراك 20 فبراير واعتماد دستور 2011، دخل المغرب فصلًا جديدًا من تجربته السياسية. وتمخضت عن هذا السياق حكومة عبد الإله بنكيران التي قادها حزب العدالة والتنمية، وهي أول حكومة تُمنح فيها لرئيسها صلاحيات موسعة نسبيًا. اعتمد بنكيران خطابًا شعبيًا مباشرًا، وواجه ملفات شائكة كإصلاح التقاعد ورفع الدعم عن المحروقات، وهو ما جعله محط جدل بين من رأى فيه إصلاحًا مؤلمًا ضروريًا، ومن اعتبره ضربًا للقدرة الشرائية للطبقات الوسطى والفقيرة. رغم ذلك، استطاع بنكيران الحفاظ على حضور سياسي قوي وشعبية ملحوظة، قبل أن يصطدم بالبلوكاج السياسي سنة 2016 ويتم تعويضه بزعيم حزبه سعد الدين العثماني.

حكومة العثماني واصلت نهج التقشف دون أن تترك أثرًا سياسيًا واضحًا. غابت عنها القيادة القوية، وانخفض منسوب الثقة في العمل الحكومي بشكل لافت، خصوصًا في ظل تدبير جائحة كورونا وما رافقها من قرارات ارتجالية وتواصل ضعيف. ومع حلول انتخابات 2021، انهارت شعبية حزب العدالة والتنمية بشكل غير مسبوق، وصعد حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش في سياق طبعته وعود قوية ببناء “الدولة الاجتماعية”.

حكومة أخنوش، التي تميزت بأغلبية مريحة ومشروع واضح المعالم على الورق، تواجه اليوم تحديات كبرى. فمن جهة، أطلقت أوراشًا مهمة كالتغطية الصحية الشاملة وبرامج “فرصة” و”أوراش”، ومن جهة أخرى، تجد نفسها في مواجهة موجة غلاء غير مسبوقة طالت المواد الأساسية والمحروقات، وسط انتقادات حادة بشأن ضعف التواصل وغياب القيادة الكاريزمية. كما تعني هذه الحكومة، في نظر عدد من المتابعين، تكريسًا لواقع ازدواجية المال والسلطة، حيث يشاع أن المشاريع الكبرى والمبادرات الحكومية يتم احتكارها داخل دائرة الأغلبية، بينما لا يصل أثرها الحقيقي إلى المواطن. وهو ما يُثير تساؤلات حول منطق الإنصاف وتكافؤ الفرص، ويُحول البرامج الانتخابية الطموحة إلى مجرد شعارات معلقة لا تتجاوز حدود الورق. وفي نهاية المطاف، يبقى المواطن البسيط هو الخاسر الأكبر، في معادلة سياسية لم تُنصفه لا بالوعود ولا بالنتائج.

إن تتبع مسار الحكومات المغربية من التناوب إلى اليوم، يكشف عن مسار غير خطي، تحكمه توازنات دقيقة بين الإصلاح والمحافظة، بين الطموح الشعبي والقيود البنيوية. ورغم تعدد الشعارات والبرامج، فإن جوهر السلطة يظل متمركزًا، ومجال المبادرة الحكومية مقيدًا بسقف المؤسسة الملكية. وبينما كان الأمل مع اليوسفي أن تنفتح السياسة على الفعل الديمقراطي الحقيقي، وُجد المغرب بعد أكثر من عقدين في مفترق طرق جديد، حيث تعود الأسئلة القديمة بثوب جديد: هل الحكومة في المغرب سلطة تنفيذية فعلية، أم مجرد منفذ لتوجهات فوقية تُدار من خارج المؤسسات المنتخبة؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة