المقال من إعداد: المصطفى العياش ــ خالد بدري / “كابريس”
احتضنت العاصمة الرباط، نهاية هذا الأسبوع، الاجتماع الخامس للتحالف الدولي من أجل تنفيذ حل الدولتين، في سياق إقليمي ودولي مطبوع بتصاعد التوترات وتضاؤل فرص السلام، مما أكسب هذا اللقاء بعدًا خاصًا وأهمية متزايدة على مستوى هندسة ملامح المرحلة المقبلة في مسار القضية الفلسطينية.
وشكّل الحدث مناسبة لتجديد التعبير عن الامتنان الفلسطيني للمملكة المغربية، قيادة وشعبًا، حيث أعربت وزيرة الدولة لشؤون وزارة الخارجية والمغتربين بدولة فلسطين، السيدة فارسين أغابيكيان شاهين، عن بالغ التقدير لجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، على دعمه المستمر والثابت للقضية الفلسطينية، وعلى المبادرات النوعية التي يرعاها في سبيل إبقاء الأمل قائمًا في تحقيق سلام عادل وشامل، يفضي إلى إقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
المغرب، وزن متجدد في الساحة الدبلوماسية
ويترجم تنظيم المغرب لهذا الحدث الدولي الهام، بشراكة مع مملكة الأراضي المنخفضة، المكانة المتنامية للمملكة في القضايا المرتبطة بالشرعية الدولية، واستعدادها الدائم لاحتضان النقاشات الكبرى بشأن مستقبل المنطقة، في إطار مقاربة متوازنة تنبني على احترام الشرعية الدولية، ودعم المؤسسات الوطنية للدول، والسعي إلى بناء السلام على أسس العدالة والإنصاف.
الاجتماع، المنعقد تحت شعار: “استدامة الزخم لعملية السلام: الدروس المستفادة، قصص النجاح، والخطوات القادمة”، لم يكن مجرد محطة دبلوماسية شكلية، بل منصة عملية جمعت أطرافًا متعددة من أكثر من خمسين دولة وهيئة إقليمية ودولية، بما في ذلك فاعلون سياسيون وممثلو منظمات دولية، ساهموا في ثلاث جلسات موضوعاتية حملت أبعادًا استراتيجية في النقاش حول القضايا الجوهرية التي تعيق تنفيذ حل الدولتين.
ثلاث محاور… لرؤية واحدة
الجلسة الأولى استعرضت المبادرات السابقة المرتبطة بعملية السلام، مع التركيز على العبر المستخلصة من الانتكاسات التي عرفها المسار التفاوضي منذ اتفاق أوسلو، وصولًا إلى التحديات الراهنة التي تضرب في العمق كل أفق للحل.
أما الجلسة الثانية، فركزت على بناء مؤسسات فلسطينية قوية، بما يعزز من قدرة الدولة الفلسطينية المستقبلية على ضمان الاستقرار والحكامة الجيدة، وهو شرط أساسي لخلق الثقة لدى الشركاء الدوليين، ودفعهم نحو دعم أكثر انخراطًا وفعالية.
الجلسة الثالثة كانت مخصصة لموضوع الدعم الاقتصادي، باعتباره رافعة حيوية لترسيخ السلام، حيث تمت مناقشة الآليات الكفيلة بتوفير البنيات التحتية، وجلب الاستثمارات، وتفعيل البرامج الاجتماعية التي تستهدف تمكين الفلسطينيين من شروط الحياة الكريمة، في ظل ظروف الاحتلال والانقسام السياسي.
الرباط تمهد لمؤتمر أممي مفصلي
وفي أفق عقد مؤتمر دولي رفيع المستوى حول حل الدولتين، خلال يونيو المقبل بمقر منظمة الأمم المتحدة، شكل اجتماع الرباط نقطة انطلاق جديدة نحو حشد الإرادة السياسية العالمية لإعادة الاعتبار لمبادئ الشرعية الدولية، والعمل على كبح الانزلاقات المتطرفة التي تهدد بتحويل الصراع إلى حالة دائمة من التوتر.
وقد برز الدور المغربي كوسيط هادئ، ومصدر للثقة من طرف مختلف الأطراف، بفضل ما راكمته المملكة من رصيد سياسي وتاريخي في ملف القضية الفلسطينية، سواء من خلال رئاسة جلالة الملك محمد السادس للجنة القدس، أو عبر المبادرات الميدانية التي تقودها وكالة بيت مال القدس الشريف، والتي تشكل امتدادًا عمليًا للجهود الدبلوماسية.
تحالف إرادات… لا مجرد بيانات
ومن خلال هذا اللقاء، يظهر أن التحالف الدولي لحل الدولتين يسعى إلى تجاوز منطق البيانات السياسية نحو إرساء تحالف إرادات حقيقي، يتفاعل مع المعطيات على الأرض، ويؤسس لمسار دولي بديل عن حالة الجمود، بما يضع حدًا للغة الاحتلال والتوسع، ويمنح الفلسطينيين أفقًا واقعيًا لبناء دولتهم في كنف الاستقرار والكرامة.
ويبقى الرهان اليوم، ليس فقط على حسن النوايا، بل على قدرة المجتمع الدولي على فرض آليات التفعيل، ومواجهة العراقيل السياسية التي تعطل مسار السلام، وهو ما يتطلب من دول التحالف الانتقال من مجرد الدعم السياسي إلى توفير شروط الحماية الفعلية للحقوق الفلسطينية.