متابعة : المصطفى العياش
في لحظة إنسانية بالغة الحساسية، تميزت بشحّ الموارد واحتدام الأزمة في قطاع غزة، جاءت مبادرة جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، بإرسال مساعدات إنسانية وطبية عاجلة إلى الشعب الفلسطيني، لتعيد من جديد التأكيد على التزام المغرب العميق والمستمر تجاه القضية الفلسطينية، وتجسد البعد الإنساني الراسخ في السياسة الملكية.
المبادرة، التي لم تكن الأولى من نوعها، لقيت إشادة واسعة من شخصيات دينية وسياسية وإعلامية مقدسية، عبّرت عن تقديرها العالي لما اعتبرته خطوة تضامنية تتجاوز الطابع الرمزي نحو الفعل الميداني والدعم العملي.
في هذا السياق، اعتبر فضل طهبوب، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، أن هذه المبادرة تجسيد حيّ لعمق التضامن المغربي مع القضية الفلسطينية، مشدداً على أن التحرك الملكي يعكس التزاماً غير مشروط بدعم الفلسطينيين، لاسيما في أوقات المحن التي تستدعي مواقف إنسانية حقيقية.
من جهته، عبّر عزام الهشلمون، عضو الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، عن امتنانه للملك محمد السادس، واصفاً المبادرة بأنها رسالة أخوة أصيلة من الشعب المغربي، لا تنفصل عن المسار التاريخي للعلاقات المغربية الفلسطينية، والذي ظل شاهداً على مواقف ثابتة مناصرة للحق الفلسطيني.
أما الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، فقد أشار إلى أن هذه الالتفاتة الإنسانية الملكية تحمل دلالات قوية، سواء في بعدها التضامني أو في توقيتها الحاسم، مشيداً في الآن ذاته بدور وكالة بيت مال القدس الشريف، الذراع الميداني للجنة القدس، في ترسيخ الحضور المغربي على أرض الواقع عبر مشاريع اجتماعية وصحية ملموسة، لا سيما في القدس وغزة.
ويبدو أن المبادرة الملكية لم تكن مجرد رد فعل على واقع متأزم، بل استمرار في نهج استراتيجي يقوده الملك محمد السادس، يجمع بين الحكمة الدبلوماسية والبُعد الإنساني، من خلال أدوات فعالة أبرزها لجنة القدس ووكالتها الميدانية، وهو ما يعكس فهماً عميقاً لتشابك البعدين الإنساني والسياسي في القضية الفلسطينية.
لقد استطاع المغرب، من خلال هذه الخطوة، أن يعيد ترتيب الأولويات داخل الوجدان الفلسطيني، حيث لا يمر الدعم المغربي دون أن يُقرأ كرسالة ذات بعد وجداني وروحي، بالنظر إلى المكانة الخاصة التي تحظى بها لجنة القدس ورئيسها داخل وجدان المقدسيين.
وإذا كانت المساعدات الطارئة تساهم في التخفيف من المعاناة المباشرة، فإن الثقة المتجددة التي تحظى بها المبادرات الملكية في الأوساط الفلسطينية تفتح الباب أمام نقاش أعمق حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الرباط في لحظة إقليمية تتسم بتموجات وتحولات متسارعة.
إنها إذن مبادرة إنسانية بطابع استراتيجي، أعادت تسليط الضوء على موقع المغرب في معادلة الشرق الأوسط، وذكّرت الجميع أن دعم القضية الفلسطينية لا يحتاج إلى ضجيج إعلامي بقدر ما يحتاج إلى ثبات مواقف ونبل الأفعال، وهما سمتان دأب الملك محمد السادس على التميز بهما في تعامله مع واحدة من أكثر قضايا العالم حساسية وتعقيداً.