ذ.عبد الله مشنون
اعلامي وكاتب مقيم بايطاليا
لا أحد يجادل في أهمية الإعلام اليوم ودوره في الحياة العامة وتشكيل الرأي العام ومدى تأثيره فيه وتوجيهه نحو الأهداف المسطرة من طرف من يتولى زمامه وتمويله، خاصة في ظل الثورة الرقمية التي غيرت مفاهيم ووسائل الإعلام التقليدية، بل وغيرت الطريقة الكلاسيكية للقارئ في تعامله مع الإعلام.
فالقارئ بعدما كان يتحرك من مكانه من أجل الحصول على المعلومة، أصبح الإعلام يأتيه بها وهو جالس في مكانه. كما أن الثورة الرقمية التي أسقطت كل الحدود الجغرافية والثقافية؛ جعلت القارئ يعيش اليوم ديكتاتورية السرعة في تدفق الأخبار وتحليلها وأحياناً تزييفها.
ولكون اليوم أصبحت كل دولة متقدمة تتوفر على صناعتها الإعلامية بميزانية ضخمة وبأهداف استراتيجية كبرى؛ إن على المستوى الاجتماعي أو الثقافي-القيمي على المدى البعيد، فالإعلام أضحى وسيلة ناجعة في الحروب التي تخوضها الدول فيما بينها؛ بحيث تستعمل كحرب نفسية ضد العدو لإرباكه وتحطيم معنوياته؛ ومعنويات شعبه، واستنزاف قدراته العقلية بغية الوصول إلى انهزامه الكلي ولو بالكذب، كما حدث في عملية (طوفان الأقصى) التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الجيش الإسرائيلي بغلاف غزة من أجل فك الحصار عن غزة ومن أجل القدس الشريف وتحرير السجناء والسجينات التي تنتهك حرماتهن داخل السجون الصهيونية. وفي هذا الصدد عمدت حكومة (نتانياهو) اليمينية المتطرفة إلى اتهام المقاومة الفلسطينية وخاصة كتائب حماس؛ ظلماً وبهتانا وزوراً؛ بارتكاب جرائم في حق المدنيين المستوطنين بقطع روؤس الأطفال وقتل أمهاتهن، عبر صور مفبركة لا أساس لها من الصحة؛ والتي مع الأسف صدقها العالم في بداية الأمر، وليتخذها العدو الصهيوني ذريعة من أجل التطهير العرقي بغزة.
والسؤال أين إعلامنا المغربي من هذه التغيرات الإعلامية الجديدة ومن هذه المعركة الدائرة رحاها في الميدان وفي الإعلام؟ وأي دور إعلامي يمكن أن يلعبه أفراد جاليتنا المغربية بالخارج خاصة الإعلاميين والصحفيين؟
بداية لابد من الاعتراف أن إعلامنا المغربي شهد في مطلع الألفية الثالثة تحولا جذرياً على جميع المستويات: المستوى الهيكلي والتنظيمي ومستوى البرمجة والمحتويات التي تواكب حداثة وتطور المجتمع المغربي والمستوى القانوني بخلق قانون جديد يهم الاتصال السمعي البصري والذي جاء على إثر القرار الملكي القاضي بتحرير وإصلاح قطاع الإعلام وقطاع الاتصال السمعي البصري العمومي. وهو القرار الذي ينم عن رؤية استراتيجية سامية واضحة المعالم والأهداف.
وهو الأمر الذي ذكر به صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله في رسالته الموجهة إلى المشاركين في الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام التي انطلقت في: 27/01/2009 بالرباط والتي جاء فيها: «لذا، نحثكم على مضاعفة جهودكم الهادفة إلى تمكين وسائل الإعلام، في دول منظمة المؤتمر الإسلامي، من الارتقاء بمستوى أدائها، في مراعاة للتنوع والتعددية، والتحلي بالمسؤولية، واحترام للأخلاقيات، مع التوحد في الدفاع عن القيم والمقومات الروحية والحضارية للمجتمعات الإسلامية، ومصالحها العليا.ذلك أن قوة وفعالية العمل الإسلامي المشترك، على الواجهة الإعلامية، تتأثر لا محالة بمدى نجاعة سياسات ووسائل الإعلام والاتصال في بلداننا الإسلامية، والنظر للإعلام كقطاع منتج في الاقتصاد الجديد للمعرفة والاتصال. وليس مجرد مادة استهلاكية مبتذلة.» انتهى كلام جلالة الملك.
ليعرج جلالته على الإصلاح الجذري الذي قام به في ما يخص قطاع الإعلام والاتصال وحرصه على إعطاء المغرب المكانة اللائقة به إعلاميا بين الدول سواء الإفريقية او العربية وحتى الاجنبية حيث قال: «ومن هذا المنظور، كان حرصنا على إحاطة قطاع الإعلام والاتصال ببلدنا، برعايتنا الموصولة. فباشرنا ورشا إصلاحيا طموحا، أتاح إعادة هيكلة القطب الإعلامي العمومي، بمختلف روافده، وتأهيل موارده البشرية، وتنويع عروضه، وتحسين مضامينه، وتحرير الفضاء السمعي البصري الوطني، وفتحه أمام المبادرة الخاصة. فضلا عن إحداث هيئة عليا تتولى مهام ضبط الاتصال السمعي البصري، على أساس احترام الحرية والنظام العام، والتعددية، وضمان تكافؤ الفرص.
كما أصدرنا توجيهاتنا السامية، للعمل على توفير الشروط الكفيلة بإقامة مؤسسات إعلامية احترافية حرة ومسؤولة، وانبثاق صناعة إعلامية تنموية، عبر إعادة النظر في منظومة الدعم العمومي للصحافة المكتوبة، وتطوير منظومتها القانونية، وتمكينها من هيأة تسهر على تنظيم المهنة وتأطيرها قانونيا وأخلاقيا.
مذهبنا في ذلك، أن الإعلام شريك لا مندوحة عنه في ترسيخ المواطنة، متى عمل في نطاق ديمقراطي، أساسه سيادة القانون، وعماده المهنية، وروحه الأخلاقيات، وجوهره التنوير الموضوعي للرأي العام.» انتهى الاقتباس من كلام جلالة الملك.
وبفضل حنكة صاحب الجلالة حفظه الله وبحنكته المعهودة، أعطى هذا الإصلاح الذي هم ورش الإعلام العمومي ثمراته سياسياً (كفضاء للتعبير للأحزاب السياسية) واقتصاديا (بخلق فرص للشغل في ميدان الإعلام السمعي البصري والرقمي) واجتماعيا (بالتعاطي مع كل قضايا المجتمع ونقل آرائه بكل شفافية)وأيضا مهنيا (من خلال الارتقاء بجودة الإعلام ومحتوياته وطنيا ودوليا)، لدرجة الاقتداء به إفريقيا وعربيا مع إحداث شراكات في هذا المجال.
من هذا المنطلق على إعلامنا المغربي أن يكون في مستوى انتظارات وطموحات المواطن المغربي الذي يجد نفسه محاطاً بإعلام أجبني مغري شكلاً ومضموناً وأن يكون في مستوى التحديات والمنافسة الإقليمية والدولية التي تواجهه. كما يتحتم عليه بالخصوص ألا يتراجع عما سطرته رؤية صاحب الجلالة نصره الله في هذا المضمار.
وهنا لابد من الإشارة إلى ان صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وفي نفس الرسالة الموجهة إلى المشاركين في الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام، أدان الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والقدس الشريف آنذاك، حيث قال: «وإن الجرح العميق الذي لم يندمل بعد، بفعل العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وفتكه المفجع بالأبرياء، حتى من الأطفال والنساء، ليذكرنا بالعدوان الإجرامي على المسجد الأقصى، الذي كان من أبرز معالم رفض الأمة له، العمل على لم شملها، من خلال إحداث منظمة المؤتمر الإسلامي. وهو ما يجعلنا أمام تحد يراوح مكانه، إن لم يكن يدور في حلقة مأساوية، من الإثم والعدوان والعنف، وإهدار وتدمير فرص السلام في الشرق الأوسط، منذ أكثر من نصف قرن.لذلك، ننوه بمبادرتكم إلى وضع القضية الفلسطينية، وقضية القدس الشريف، في مقدمة جدول أعمال هذا المؤتمر، وخاصة في هذا الظرف العصيب، الذي يجتازه هذا الشعب الشقيق المكلوم.»انتهى الاقتباس من كلام جلالة الملك.
لكن مع الأسف في الظرفية العصيبة التي تمر منها القضية الفلسطينية وفي الوقت الذي تشهد فيه غزة إبادة جماعية لا مثيل لها اليوم، جاء إعلامنا مخيبا للآمال وانتظراتنا كمساندين للشعب الفلسطيني الجريح في محنته وهو يتلقى غارات الطيران الإسرائيلي المجرم بمعية القوات الأمريكية والأوروبية، الذي قتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ والأطباء والطلبة وهدم البيوت والأحياء والمستشفيات، ضاربا بعرض الحائط قوانين الحرب الدولية والقيم والأعراف الإنسانية.
فإعلامنا المغربي قصر في التعاطي مع معاناة أهالي غزة ولم يدين الإجرام الصهيوني كما لم يخصص برامج للتعريف بالقضية الفلسطينية وكأن الأمر لا يهمه وكأن الشعب الفلسطيني العربي المسلم ليس منا ولسنا منه.
بل إنه لم يتوانى عن برمجة سهرات فنية لا تراعي مشاعر “الشعب الشقيق المكلوم” كما جاء على لسان صاحب الجلالة حفظه الله والذي أمر بإرسال مساعدات طبية لأهل غزة الذين يعانون إلى غاية اليوم، أي بعد مرور شهر من العدوان الإسرائيلي ومن انطلاق عملية طوفان الأقصى للمقاومة الفلسطينية، من غياب أبسط وسائل العيش ومن عدم فتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية.
إن الواجب المهني والضمير المهني وواجب الانتماء إلى الوطن العربي والأمة الإسلامية، كل ذلك يحتم على إعلامنا أن يكون في طليعة الإعلام العربي لنقل صورة حية وحقيقية عن المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني بوحشية في حق الشعب الفلسطيني في غزة ورام الله والخليل والقدس الشريف، وأن يتصدى للتضليل الإعلامي الذي تمارسه القنوات الأمريكية والفرنسية والألمانية وغيرها عما يقوم به الاحتلال من جرائم ضد الإنسانية، مع انتهاكها للموضوعية في نقل الخبر والتحليل، إضافة إلى تحيزها السافر للرواية الإسرائلية التي ترى في الفلسطينيين والعرب والمقاومة الفلسطينية حيوانات وليس بشرا.
ونحن كإعلاميين من الجالية المغربية بالديار الإيطالية أو الأوروبية واجب علينا أن ننخرط في هذا الواجب المهني والقومي لتسليط الضوء على خبايا القضية الفلسطنية التي تجهلها المجتمعات الغربية والتي ولسنين خلت لا تسمع ولا ترى إلا الأطروحة الصهيونية للموضوع.
ننخرط من أجل مساندة ونصرة أشقائنا الفلسطينيين الذين يخوضون معركة التحرير والحرية منذ ما يقرب على أربعة عقود، مثلما نناصر قضايا وطننا الحبيب وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.
ولا شك أن الله سيساؤلنا عن ذلك مصداقا لقوله تعالى :” إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” وهي آية جاءت في سورة الإسراء التي تتحدث عن انتصار الحق على الباطل وعن طغيان بني إسرائيل في الأرض ثم انتصار المؤمنين المخلصين عليهم وتحريرهم للمسجد الأقصى المبارك.
والتاريخ لا يرحم أحداً كما لا ينسى فعل أحد. {فستذكرون ما أقول لكم وافوض امري الى الله إن الله بصير بالعباد}