في لحظة فارقة من تاريخ الدبلوماسية الدولية، أدان مجلس الأمن الدولي الهجوم الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة، مؤكداً أن الاعتداء يمثل خرقاً صارخاً للقانون الدولي وتهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين. هذه الإدانة ليست مجرد موقف عابر، بل تعكس إدراكاً متزايداً للدور الذي تلعبه قطر كوسيط فاعل في النزاعات الإقليمية، وكقناة تفاوضية لا غنى عنها في ملفات معقدة أبرزها الحرب في غزة.
قطر بين الاستهداف والدور الدولي المتعاظم
الهجوم على الدوحة لم يكن حدثاً عسكرياً عادياً، بل رسالة سياسية تستهدف إضعاف الوساطة القطرية التي اكتسبت زخماً متزايداً في السنوات الأخيرة. فمن طالبان إلى حماس، ومن السودان إلى ملفات الطاقة، أصبحت قطر رقماً صعباً في معادلة السياسة الدولية.
لكن الرد القطري، سواء من خلال تصريحات رئيس الوزراء أمام مجلس الأمن أو عبر تحركاتها الدبلوماسية المكثفة، أبان عن تماسك سياسي ورغبة صريحة في مواصلة أداء دورها الوساطي والإنساني، مهما حاولت الأطراف المعادية عرقلته.
مجلس الأمن: من الإدانة إلى الفعل
إدانة مجلس الأمن تمثل خطوة متقدمة، لكن قيمتها الفعلية مرهونة بترجمتها إلى إجراءات عملية، مثل:
تشكيل لجنة تحقيق دولية حول ملابسات الضربة.
فرض التزامات قانونية لحماية سيادة الدول ومنع استهداف الوسطاء.
تطوير آليات لحماية المفاوضات والجهات الراعية لها.
الدوحة اليوم ليست بحاجة إلى تضامن لفظي فقط، بل إلى شبكة حماية دولية تضمن استمرار دورها كوسيط موثوق.
أفق المفاوضات بعد الضربة
الضربة الإسرائيلية فتحت جرحاً جديداً في جسد العملية التفاوضية. ومع ذلك، فإنها قد تزيد من تمسك الأطراف الدولية بالوساطة القطرية باعتبارها الخيار الأكثر توازناً.
تراجع دور قطر يعني غياب القناة الوحيدة القادرة على مخاطبة جميع الأطراف، وهو ما سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتعميق المأساة الإنسانية. لذلك، يبدو أن الأزمة ستتحول إلى فرصة إضافية لتعزيز مكانة الدوحة كفاعل لا غنى عنه في أي حل سياسي.
نتنياهو وأولويات القوة على حساب الإنسانية
الضربة لم تكشف فقط عن استهتار بالقانون الدولي، بل أظهرت بوضوح أن تحرير الرهائن ليس أولوية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فقد اختار استراتيجية التصعيد العسكري بدل تغليب منطق الدبلوماسية، ما يضع حكومته في مواجهة انتقادات متزايدة داخلياً وخارجياً.
قطر تفرض نفسها لاعباً لا غنى عنه
الاعتداء على الدوحة هزّ المجتمع الدولي، لكنه أعاد في الوقت ذاته التأكيد على حقيقة ثابتة: قطر لم تعد مجرد لاعب إقليمي، بل فاعل دولي محوري في صناعة الحلول. وإذا كان مجلس الأمن قد أدان الهجوم، فإن المستقبل سيُظهر إن كان سيتجاوز حدود الكلمات إلى أفعال تحمي الوسطاء وتردع المعتدين.
أما قطر، فقد خرجت من هذه الأزمة أكثر صلابة وإصراراً، مستندة إلى رصيدها الدبلوماسي والإنساني الذي جعلها اليوم محوراً لا يمكن تجاوزه في معادلة الشرق الأوسط.

سكرتير تحرير جريدة كابريس