يبدو أن قيادة جبهة “بوليساريو” لم تتعلم شيئًا من دروس التاريخ والجغرافيا، ولا تزال تراهن على محاولات يائسة لفرض واقع زائف داخل المنطقة المغاربية. رسائل التهنئة التي بعث بها إبراهيم غالي إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ليست سوى محاولة مكشوفة لاستثمار مواقف ضبابية لحكومتي البلدين، في محاولة لإضفاء نوع من الشرعية على كيان وهمي لا وجود له إلا في أجندات النظام الجزائري.
تونس وليبيا، بلدان يعانيان من أزمات سياسية واقتصادية معقدة، يجدان نفسيهما أمام ضغوط جزائرية واضحة، تحاول عبرها السلطة في قصر المرادية توظيف مقدراتها المالية والدبلوماسية لخلق نوع من الالتباس في مواقف هذين البلدين بشأن قضية الصحراء المغربية. فمنذ استقبال الرئيس التونسي لزعيم “بوليساريو” عام 2022، مرورًا بالتذبذب المستمر في الموقف الليبي، أصبح من الواضح أن الجزائر تعمل على هندسة تحالفات إقليمية مزيفة لا تخدم سوى أجندتها الانفصالية.
من الناحية الدبلوماسية، يدرك المتتبعون أن هذه التحركات ليست سوى رد فعل متأخر على النجاحات التي حققتها الرباط في ملف وحدتها الترابية، بفضل استراتيجية ملكية واضحة جعلت من الموقف من الصحراء معيارًا رئيسيًا في تحديد طبيعة العلاقات الدولية للمغرب. فمع تزايد الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، خصوصًا من قبل قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا، أصبح واضحًا أن الرهان على دول تعاني من عدم الاستقرار، مثل تونس وليبيا، لن يكون له أثر يُذكر في معادلة النزاع.
وفي هذا الإطار، جاء قرار المغرب باستدعاء سفيره لدى تونس، حسن طارق، ليؤكد بوضوح النهج الاستباقي الذي يتبناه المغرب في سياسته الخارجية. لا يقتصر هذا القرار على مجرد رد فعل، بل يعكس رؤية استراتيجية تتجاوز الشخصيات الفردية، إذ يمثل استجابة مباشرة للمتغيرات الدبلوماسية التي تستدعي تحركًا حازمًا. فالمغرب، بتوجيهات ملكية، يؤكد مرة أخرى أن سياسة الدفاع عن الوحدة الترابية لا تقبل المساومة أو التردد، مما يعكس تنسيقًا دقيقًا بين الأبعاد الداخلية والخارجية في إدارة العلاقات الدولية.
أما على المستوى الشعبي، فليس هناك أدنى شك في أن الشعوب المغاربية، بما فيها التونسيون والليبيون، تدرك أن القضية ليست سوى امتداد لصراع جزائري-مغربي أقدم، وأن مصير المنطقة يجب أن يُبنى على أسس الوحدة والتكامل لا على خلق كيانات مصطنعة. فالمجتمع المدني والنخب المثقفة في كلا البلدين لم تُظهر أبدًا أي حماس لمشروع “بوليساريو”، بل كانت مواقفها دائمًا أقرب إلى دعم الوحدة الترابية للمغرب والتشبث بمبادئ التضامن العربي.
ما يتجاهله صناع القرار في الجزائر وأتباعهم في “بوليساريو” هو أن محاولاتهم لعزل المغرب إقليميًا لن تؤدي إلا إلى مزيد من العزلة لأنفسهم. فالتاريخ يشهد أن المغرب كان وسيظل فاعلًا أساسيًا في المنطقة، ومهما حاولت بعض الأنظمة توجيه بوصلتها السياسية بشكل مغلوط، فإن الحقيقة تظل ثابتة: الصحراء مغربية، والمغرب ماضٍ في تحقيق مكاسب دبلوماسية لا رجعة فيها.
