من تعليمات الجهة إلى ميدان سيدي عثمان: كيف تحول التنسيق إلى واقع ميداني؟
أنجز الملف: المصطفى العياش سكرتير تحرير “كابريس” ــ خالد بدري المدير الفني “كابريس”
تستعد مقاطعة سيدي عثمان في الدار البيضاء لاستقبال قطب جديد لترحيل الخدمات سيتم إنشاؤه في منطقة الحنطات، بمقاطعة سيدي عثمان. المشروع سيعمل على تطوير المنطقة من حيث البنية التحتية وسيساهم في الحد من الفوارق المجالية بين مقاطعات المدينة.
دخلت مقاطعة سيدي عثمان مرحلة جديدة من تاريخها الحضري، مع انطلاق ورش تحرير منطقة “الحنطات” من مظاهر العشوائية. مشهدٌ استثنائي يُترجم تناغماً غير مسبوق بين ثلاث قوى تدبيرية مركزية:
الرؤية الجهوية التي يوجهها والي جهة الدار البيضاء – سطات.
التنزيل الإقليمي الذي يقوده عامل عمالة مقاطعات مولاي رشيد.
الدينامية المحلية التي يترجمها محمد حدادي، رئيس المقاطعة وبرلماني الدائرة.
انطلاقة هذا الورش تأتي استجابة للمجهودات الحثيثة التي تبذلها السلطات الجهوية والإقليمية من أجل استعادة أحياء المدينة لعافيتها العمرانية، وفتح آفاق تنموية جديدة، خاصة لفائدة الأحياء التي ظلت لعقود طويلة خارج اهتمامات السياسات العمومية.
خلفية تاريخية: “الحنطات”… منطقة في قلب التهميش
لم تكن “الحنطات” مجرد فضاء عشوائي، بل أصبحت مع مرور السنين رمزا لوضعية معقدة، تجمع بين التجارة غير المنظمة، والسكن غير اللائق، ونقص الخدمات الأساسية.

فبسبب غياب تدخلات حقيقية لعقود، تحولت المنطقة إلى بؤرة تجمع الأنشطة غير المهيكلة، مما زاد من تأزم وضعيتها الاجتماعية والعمرانية، وأثر سلبًا على جاذبية سيدي عثمان ككل.
ورش الحنطات.. على خطى الرؤية الملكية للتأهيل الحضري
ويُنظر إلى ورش “الحنطات” كسيرورة تنموية تنسجم مع التوجيهات الملكية السامية، التي تؤكد على ضرورة إعادة الاعتبار للأحياء الشعبية، ومحاربة العشوائية، وتهيئة فضاءات حضرية تحفظ كرامة المواطن وتساهم في تحسين ظروف عيشه.
فالرهان ليس فقط على الهدم والتحرير، بل على استثمار الفرصة لإعادة خلق دينامية حضرية متكاملة قوامها:
تأهيل البنية التحتية.
تنظيم الأنشطة التجارية.
خلق فضاءات خضراء ومرافق اجتماعية.
أراضي الحنطات فوق 100 هكتار
ويمتد المشروع ليشمل مساحة واسعة تتجاوز 100 هكتار، مملوكة لجماعة الدار البيضاء، وتجاور أراضي أخرى مثل ملعب التيسيما وسوق الجملة. وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الأراضي مجتمعة حوالي 260 هكتارًا. وتتضمن المرحلة الأولى من المشروع مساحة 150 هكتارًا، تشمل ملعب التيسيما التي ستحتضن مدينة رياضية وقرية مخصصة للأنشطة الرياضية. وبالتوازي مع ذلك، تجري دراسة تحويل المجازر بعد نقلها إلى موقع آخر.
تفكيك البؤر العشوائية
عملية تحرير الحنطات انطلقت لتفكيك البؤر العشوائية التي نمت في المنطقة عبر السنين. التحدي الكبير كان في التوفيق بين متطلبات إعادة الهيكلة وحقوق الساكنة، مع البحث عن بدائل لاحتواء الأنشطة التي كانت قائمة.
منطقة للأنشطة والأوفشورينغ
من المرتقب أن تتحول هذه الأراضي إلى قطب اقتصادي جديد، موجه نحو أنشطة الأوفشورينغ (offshoring) وترحيل الخدمات. المشروع يسعى لخلق دينامية اقتصادية من خلال استقطاب شركات التكنولوجية والخدمات، وتوفير حوالي 25 ألف منصب شغل لفائدة شباب المنطقة وساكنة المدينة ككل.
مدينة رياضية وقرية للأنشطة
إلى جانب القطب الاقتصادي، المشروع يتضمن إحداث مدينة رياضية متكاملة على أراضي ملعب التيسيما، مع قرية للأنشطة الرياضية والترفيهية، ما يُعزز العرض الرياضي والترفيهي بالمدينة، ويُعطي دفعة جديدة للمنطقة التي ظلت مهمشة لسنوات.
الشركة المطورة وإحداث 25 ألف منصب شغل
كما تم الاتفاق مع شركة “إيوان” ewan، التابعة لصندوق الإيداع والتدبير (CDG)، على عقد إيجار لهذه المساحة لمدة تتراوح بين 10 و12 عامًا، بقيمة إيجارية سنوية قدرها 5 ملايين درهم. وفي المقابل، تلتزم “إيوان” بالاستحواذ التدريجي على هذه الأراضي على مراحل. وفي البداية، ستقوم الشركة بتطوير 1.5 هكتار لإنشاء وحدات مخصصة للتعهيد، قبل الانتقال إلى الاستحواذ في وقت لاحق.
وقد وافق أعضاء مجلس جماعة الدار البيضاء خلال الجلسة الثانية من أشغال الدورة العادية برسم شهر فبراير المنصرم، والتي ترأستها رئيسة جماعة الدار البيضاء نبيلة الرميلي يوم 17 فبراير 2025، على إلغاء مقرر عدد 360/24 الخاص باتفاقية الشراكة مع صندوق الإيداع والتدبير (إيوان) من أجل إحداث وتطوير القطب، وعلى القيمة الكرائية المحددة لكراء جزء من القطعة الأرضية ذات الرسمين العقاريين 24598/س و167112/12.

العامل.. اليد التنفيذية التي حرّكت المياه الراكدة
لعب عامل عمالة مقاطعات مولاي رشيد دوراً حيوياً في إخراج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ.
وتؤكد مصادر ميدانية أن العامل كان حريصاً على تنزيل تعليمات الوالي بروح من الصرامة والنجاعة، دون أن يغفل البُعد الإنساني المرتبط بظروف الساكنة المعنية.
وقد شملت مقاربته:
التنسيق الدقيق مع السلطات المحلية والأمنية.
الحرص على تجنب التوترات مع السكان.
توفير حلول بديلة للمتضررين متى توفرت الشروط.
محمد حدادي.. الرئيس المنتخب والبرلماني الذي قرأ اللحظة جيداً.

على المستوى المحلي، برز دور محمد حدادي بشكل واضح.
بصفته رئيساً للمقاطعة وبرلمانياً عن العمالة، تمكن من استباق أي ردود فعل سلبية، عبر:
إطلاق حملات تحسيسية موسعة، شرح من خلالها أهداف المشروع وفوائده المستقبلية.
التواصل المباشر مع المواطنين لشرح التفاصيل والرد على المخاوف.
توظيف علاقاته الاجتماعية لطمأنة الجميع بأن المشروع لن يكون ضد مصلحة الساكنة بل لصالحها.
هذا الحضور القوي ميدانياً مكن من خلق مناخ من الثقة، وسهل مهمة تنزيل المشروع.
مشروع تتقاطع فيه ثلاث مستويات من التدبير
ما يُميز ورش “الحنطات” هو كونه نتاجاً حقيقياً لتلاقح ثلاث مستويات تدبيرية:
الرؤية الجهوية التي حدد معالمها الوالي.
التنفيذ الإقليمي الذي أشرف عليه العامل.
الانخراط المحلي الذي جسده رئيس المقاطعة محمد حدادي.
نموذج يعكس الفلسفة الجديدة في التدبير الترابي، القائم على التكامل بين الإدارة المنتخبة والإدارة الترابية، بعيداً عن الصراعات التقليدية التي كانت تعرقل الكثير من المبادرات.
الأفق: من تحرير “الحنطات” إلى إعادة رسم وجه سيدي عثمان
يرى المتابعون أن تحرير “الحنطات” ليس سوى أولى الخطوات نحو مشروع أوسع لإعادة صياغة المشهد الحضري لسيدي عثمان.
ومن بين الأوراش المنتظرة:
تنظيم أسواق جديدة وفق معايير حديثة.
تطوير شبكة الطرق والممرات.
خلق فضاءات خضراء ومراكز سوسيو-ثقافية.
تحفيز الاستثمار المحلي في مجالات التجارة والخدمات.
كلمة ختامية
في ختام هذا التحقيق، نؤكد أن ورش “الحنطات” في سيدي عثمان يشكل خطوة هامة نحو تجديد البنية التحتية وتحسين الحياة اليومية للمواطنين.
هذا المشروع يتجسد في تنسيق متكامل بين مختلف الجهات المعنية، من السلطات الجهوية والإقليمية، وصولاً إلى السلطات المحلية.
ورغم التحديات، تبقى الرؤية الشاملة لهذه المبادرة تجسد التزاماً حقيقياً نحو تطوير المنطقة.
وإننا في جريدة “كابريس” سنواكب هذا المشروع عن كثب، من أجل تقديم صورة دقيقة وواضحة لمواطني عمالة مولاي رشيد ومدينة الدار البيضاء حول هذه الدينامية التنموية، التي تعكس روح التعاون والتنسيق بين مختلف الأطراف.